و أنا أجوب شوارع درب السلطان في مدينة الدارالبيضاء، ليلة الأربعاء الثلاثين من يناير2013، استوقفتني مشاهد الجماهير الغفيرة التي حجّت إلى مقاهي هذا الحي الشعبي الذي يتنفس كرة القدم. و المناسبة كانت الكلاسيكو الإسباني بين ريال مدريد و إف سي برشلونة برسم ذهاب كأس ملك إسبانيا. هذه المباراة التي دارت أطوارها الشيقة بملعب سانتياغو بيرنابيو بمدريد، جاءت بالمصادفة بعد نهاية الحلم العربي في “كان جنوب إفريقيا”، عندما خرجت تونس التي كان مصيرها بيدها أمام الطوغو و ضيعته بتضييعها لركلة جزاء لتلتحق بجارتيها، الجزائر التي لعبت معها في نفس المجموعة و المغرب الذي أضاع التأهل إلى الدور الثاني، في ست دقائق كانت متبقية أمام جنوب إفريقيا صاحب الأرض و الجمهور، الذي بالمناسبة لم يسبق لنا أن انتصرنا عليه في تاريخ لقاءاتنا الكروية.
كان درب السلطان يهتزّ مع كل تسديدة من رونالدو و يتفاعل بقوة مع مهارة ميسي. صرخات ريالية و أخرىبرشلونية.. قفشات من هذا الجانب و دعابات من الجانب الآخر. كما أن الجوّ لم يخلوا من الكوميديا السوداء التي تستحضر إخفاق الكرة المغربية في كأس أمم إفريقيا.
في طريق العودة و أنا أعرّج على أحد الأزقة القريبة من ساحة السراغنة، الشهيرة في العاصمة الاقتصادية، لفت انتباهي فتى في السادسة عشرة من عمره يطلب من والدتة عشرة دراهم لكي يلتحق بأولاد الدرب إلى المقهى لمشاهدة “الكورة “، فسألتة الوالدة ببساطة الأمهات: “واش لاعبة المغرب؟” فأجابها قائلاً: “آش من مغرب …هادو راهم الكوايرية ديال بصح اللي غادي ينسيونا هداك الكان.
تأكدت حينها أن تلك المستديرة المليئة بالهواء خلقت لتنفس ضغط الشعوب، لكن المغاربة المساكين يفرغون ضغطهم في الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط في إسبانيا، التي أدرك حكامها منذ عهد الملك ألفونسو الثامن أن كرة القدم متنفس للضغط كما أنها مقياس للوطنية ,فكانت أول كأس للملك سنة ألف وتسعمائة وإثنين.
إن الشعب المغربي مفعم بالوطنية الصادقة، لكنّه يريد أن يزهو بنفسه وهو يتحدث عن مغربيته ,يريد أن ترفع راية بلاده و يريد أن يفتخر و يفاخر بأولاده… فجعل من كرة القدم سبيلا إلى ذلك .لكنه غبن في مبتغاه. حيث يصطدم في كل مرة بحائط الإخفاق نتيجة و أداءا.
إن تأملاً بسيطاً في سحنات الجالسين في المقاهي و الواقفين أمامها في ليلة الكلاسيكو، يجعلك تستشف تلك الحصرة البادية على حال كرتن..ا فالعقول في تلك اللحظة مسافرة إلى البيرنابيو تتفاعل مع مباراة لم تتوقف فيها إثارة كرة القدم. لكن الأجساد في المغرب… مرتبطة بتربته. فحال استيقاظها من حلم الملعب الفخري بمدريد ستتذكر الحلم العربي المنهار و الحلم المغربي المدمر، بسوء التسيير ممن يعتبرون أنفسهم جنوداً مجندين وراء ملك البلاد، ويربطون رحيلهم أو بقاءهم على رأس الجامعة الملكية لكرة القدم بقرار من الملك.
الجندي الذي لا يجيد معركة كرة القدم لا مكان له في كتيبة المنتخب الوطني. فكيف له أن يكون على رأس الجامعة. علي الفاسي الفهري يختبئ وراء الملك، و يقول للمغاربة إن “سيدنا” من وضعني هنا و هو الوحيد المخول له أمر رحيلي. وعلى هذا الحال فمهما رفع الشعب شعار “إرحل”، ومهما اختنقت أنفاسه و مهما بحت حناجره فهو باق إلى أجل غير مسمى. و بالدارج المغربي “بت نبت”.
ما لا أفهمه اليوم في طريقة تسيير شأن كرة القدم المغربية هو مسألة الأشخاص الدائمين في المناصب باسم جلالة الملك، كما هو الحال بالنسبة لعلي الفاسي الفهري. هذا الجندي الذي لا يملك لا سلاحاً و لا شرعية.. كما كان سابقه الجنرال حسني بنسليمان. ثم مآل الأمور لغير أهلها و الحال هنا ينطبق على نفس الشخص طبعا.. فكرة القدم ليست علماً لمن لا علم له، و تسييرها لا يجب أن يكون في يد أشخاص أخفقوا أصلاً في مجال اشتغالهم، و كبّدوا دافعي الضرائب سبعة ملايير سنتيم كخسائر في محطة طانطان لتوليد الطاقة الكهربائية تريد الدولة أن تعوّضها من أموال يدفعها الشعب على حساب قدرته الشرائية المنهكة عبر الزيادة في سومة إستهلاك الكهرباء. للأمانة فهذا الجندي يجيد استنزاف أموال المغاربة ففي عهده سمعنا عن أسمن أجر يتقاضاه مدرب يشبهه في الإخفاقات، إنه إيريك غيريتس الذي حصد الملايير من زراعة الوهم.
يبدو أننا تطبعنا مع شراء الوهم في عهد الفهري، شقيق مستشار الملك. فدفعنا نصف مليار لنقصى من الدور الأول من “كان ألفين و ثلاثة عشر”. لتبدأ صناعة وهم آخر إسمه “كان المغرب” في ألفين و خمسة عشر وقبله كأس العالم بالبرازيل في ألفين وأربعة عشر، يتفنن في إخراجه “الجندي علي” والمبتهج بلا مبرّر محمد أوزين، وزير الشباب و الرياضة، الذي كان في كل مرّة يطلّ علينا بضحكته العريضة حتى ضننّا أن العام “زين” مع أوزين، الذي جاء إلى وزارة الشباب والرياضة يحمل معه دبلومات الأكاديمية الدولية للريادة بغومرباش في ألمانيا، والمعهد الدولي لبرامج الريادة بالولايات المتحدة الأمريكية، لكنّها ريادة بعيدة عن الرياضة.
هذه المرة المغاربة لن يلدغوا من جحر أنهكهم الدخول إليه فقط لانهم يحبون بلدهم ويعشقون كرة القدم. فمادام دستور ألفين و أحد عشر ينصّ على ربط المسؤولبة بالمحاسبة، فقد وجب على كل من قصّر أو أخطأ أن يكون “وجه صحيح” في تقديم الحساب، و ليس في شرعنة سلطته بالملك الذي قد يمنحك الثقة إلى أبعد الحدود. و يغفر لك عثرة أو عثرتين.. لكنّه أبداً لن يسمح باستمرار الإخفاق و الإختباء وراءه.