كأس العالم 2010.
شركات الأمن في البلد المضيف لكأس العالم تستغل الحدث في التسويق لخدماتها، وسط اتهاماتٍ لبعضها بتضخيم المخاطر التي قد يواجهها السائح في بلدٍ يرزح تحت وطأة الجريمة.
جوهانسبرغ – تقوم شركات الأمن الخاصة في جنوب أفريقيا على حماية ملايين الأشخاص يومياً، وبينهم رجال الشرطة أنفسهم. وبالمثل يقبل الآلاف من مشجعي كرة القدم الأجانب الآن على هذه الشركات طلباً للحماية خلال نهائيات كأس العالم 2010 التي تستضيفها البلاد ابتداءً من 11 حزيران/يونيو المقبل.
فمنذ فوزها بحق تنظيم أول بطولة لكأس العالم في القارة السمراء قبل 6 أعوام، تحاول جنوب أفريقيا التي تعاني من أحد أعلى معدلات جرائم العنف في العالم، أن تثبت للجميع قدرتها على تنظيم بطولة “آمنة”.
وسبق لجنوب أفريقيا أن استضافت 41 بطولة دولية بنجاح منذ عام 1994، من بينها بطولتا كأس عالم للكريكيت والرغبي، حيث يرى المنظمون أن هذا الأمر يبرهن على قدرة البلاد على بسط سيادتها الأمنية خلال مثل هذه البطولات العالمية.
كما يشير المنظمون إلى أن 9 ملايين شخص يزورون جنوب أفريقيا كل عام دون أن تطالهم الجريمة.
شركات الأمن مستعدة للطوارئ
ويقول المفوض العام للشرطة الوطنية في جنوب أفريقيا بيكي سيلي بثقة “سنكون مستعدين لمواجهة أي طوارئ في الجو أو في البحر أو في البر”، إلا أن الشك لا يزال يساور الفرق الأجنبية والشخصيات المهمة والأطقم الإعلامية التي ستتجه إلى القارة السمراء رغم خشيتها الانضمام إلى قوائم الضحايا التي تضم في المتوسط 50 قتيلاً يومياً أو نحو أربعين شخصاً تتعرض سياراتهم للخطف.
ومع تقاضي الحارس الشخصي المدرب نحو 300 يورو يومياً، بدأ المقتدرون يحولون اهتمامهم إلى جيش الحراسة الخاصة طلباً للحماية، حيث أكد بوب نيكولز مؤسس شركة “نيكولز ستاين وشركاه” أحد أبرز شركات حماية الشخصيات المهمة في جنوب أفريقيا أن “وصلنا إلى درجة أننا صرنا نرفض قبول المزيد من الزبائن”.
وأوضح نيكولز أن شركته التي توفر الحماية الأمنية للدوري الهندي الممتاز للكريكيت وسبق أن عملت في حفلات توزيع جوائز الأوسكار ودورة الألعاب الأولمبية “بكين 2008″، اختيرت لحماية آلاف الزائرين، بدايةً من الأثرياء ورجال الأعمال الكبار، ووصولاً إلى مجموعات تضم ما يصل إلى 50 من حاملي تذاكر الشركات وأسرهم.
قمصان واقية للرصاص والطعن؟
وفي الوقت الذي طلب فيه بعض الزبائن ارتداء قمصان واقية من الرصاص أو الطعن، أوصى ستاين بعدم التمادي في الذعر، مؤكداً أن هذه إجراءات تطبق في حالات استثنائية ولا يمكن اعتبارها قاعدة.
وكانت شركة أمن ألمانية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي عندما نصحت لاعبي المنتخب الألماني بارتداء قمصان واقية من الرصاص عند خروجهم من الفندق الذي يقيمون فيه خلال مشاركتهم في نهائيات كأس العالم 2010، الاقتراح الذي وصفه الكثيرون بالـ “هستيري”.
وبرر جاي نيكولز الرئيس التنفيذي لشركة “باسكو” للأمن والتي تسهم أيضاً في توفير الأمن خلال المونديال، “إذا كانت الخطورة كبيرة لدرجة أنك تحتاج ارتداء قميص واقٍ من الرصاص، علينا أن نسأل أنفسنا حينها لماذا نذهب إلى هذا المكان الخطير من الأساس؟”.
وأضاف نيكولز البريطاني الأصل “لدينا ما يزيد على مئة مجموعة”، حيث تضم قائمة زبائن شركته الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم وعدداً من الفرق الإعلامية الأجنبية والشخصيات المهمة الذين تتراوح مطالبهم بين الحراسة الأمنية وتوفير سائقين بارعين في فنون المراوغة وبين الحرس الخاص والفرق سريعة الاستجابة التي يمكن استدعاؤها بمجرد الضغط على “زر جهاز الخوف”.
ازدهارٌ غير عادي في قطاع الأمن
ورصدت وزارة العمل الجنوب أفريقية أكثر من 4700 شركة أمن مسجلة توظف أكثر من 300 ألف شخص للقيام على حراسة المنازل والشركات وحتى مراكز الشرطة نفسها، حيث تمتلك بعض الشركات أشخاصاً بيضاً من الجنود السابقين أو من أعضاء القوات الخاصة للجيش الجنوب أفريقي المنتقلين إلى العمل في القطاع الخاص بعد انتهاء عهد سياسة الفصل العنصري.
لذلك لم يكن من الغريب أن ينظر بعض من يعمل في هذه المهنة إلى بطولة كأس العالم على أنها فرصة كبيرة لتحقيق أرباح، حتى لو دفعهم الأمر إلى تزييف الحقائق قليلاً.
إذ كتبت شركة تطلق على نفسها اسم “أمن كأس العالم” على موقعها الالكتروني على شبكة الانترنت، “يتحول السائحون إلى ضحايا حوادث خطف السيارات على الطرق القريبة من المطارات بصفة يومية”، في عرضها لتوفير الحماية على مدار الساعة للمجموعات.
وحذرت الشركة التي لا يمكن التواصل معها سوى من خلال البريد الالكتروني، “عادة ما يكون مجرمو جنوب أفريقيا مسلحين، وأحيانا لا تأخذهم بأحد شفقة أو رحمة، ونحن لا نختلف عنهم لكن تكلفتنا أقل”.
الثقة بالحكومة الحل الوحيد
من جانبها، تقوم شركات أخرى تدعي الخبرة بمنح دورات تدريبية سريعة لمن يريد العمل في الحراسات الخاصة استعداداً لكأس العالم، حيث أكد بوب نيكولز أنه “على دراية تامة بالشركات التي تستعين بحراس يتلقون تدريباتهم من الآن وحتى كأس العالم فحسب”، لكن معظم زوار كأس العالم الذين يقدر عددهم بنحو 300 ألف زائر أجنبي، سيضعون ثقتهم في الشرطة والنظام الأمني القائم في البلاد.
وخصصت جنوب أفريقيا 44 ألف شرطي للعمل خلال كأس العالم في إطار خطتها الأمنية التي تصل تكلفتها إلى 1.3 مليار راند (164 مليون دولار)، والتي استغرق وضعها أربعة أعوام لتنال إشادة الاتحاد الدولي لكرة القدم والشرطة الدولية.
وستلقى الشرطة معاونة 200 وحدة عالية التقنية ومتخصصة في “التدخل السريع” في جميع محافظات كأس العالم الإحدى عشرة، حيث أثبتت بعض عناصر هذه الوحدات بالفعل كفاءة عالية في تسلق المباني والقفز من المروحيات خلال عرض شهدته مدينة جوهانسبرغ مؤخراً.
الطريف أن الشرطة الجنوب أفريقية فوجئت في اليوم نفسه بتقارير عن اعتقال مشتبه فيه سعودي ينتمي لتنظيم القاعدة في العراق لاتهامه بالتخطيط لتنفيذ اعتداء خلال بطولة كأس العالم، وإن كان تنظيم القاعدة في العراق نفى تماماً تورطه في أي مخطط لاعتداء يستهدف البطولة، فيما نفى الاتحاد الدولي أن يكون لديه أي فكرة عن وجود تهديد حقيقي لأمن البطولة.