الحلم الأفريقي مرهون بنجاح غانا

26 يونيو 2010
الحلم الأفريقي مرهون بنجاح غانا

حطت “كأس العالم” رحالها في بلاد مانديلا حملت معها آمال وكبرياء قارة بأكملها، قارة عانت قروناً طويلة من الاضطهاد والاستعباد والاستعمار. خفقت القلوب ابتهاجاً باستضافة جنوب أفريقيا لأعظم تظاهرة كروية عالمية وهللت فرحاً وسروراً لتأهل كل من الجزائر وغانا والكاميرون ونيجيريا وكوت ديفوار.

سال حبر كثير في الصحف وكلام وخطب على شاشات التلفيزيون رشحت جميعها المنتخبات الأفريقية التي تنافس للمرة الأولى في تاريخها على أرضها وأمام جماهيرها، لكن سرعان ما تلاشى الحلم الذي راود الدول الأفريقية بالذهاب بعيداً في النسخة التاسعة عشرة من كأس العالم وحل مكانه طعم الهزيمة التي خلفت طعم المرارة عند المشجعين وأشعرتهم بالخجل.

إنها كرة القدم التي لا تعترف بالتوقعات ولا تأبه بتاريخ المنتخبات ولا بإنجازات الكبار، هي كذلك، ماكرة لا ترتبط أبداً بنسبة الاستحواذ أو الهجوم أو مرات التسديد أو عدد الفرص أو التفوق الميداني… فساحرة الشعوب لا تعترف إلا بالنتائج.

الكاميرون

لا ريب في أن الجيل الكامروني بقيادة صامويل إيتو يعد ذهبياً بامتياز، ما جعل الترشيحات تصب في مصلحته، لكن، ولسخرية القدر، تم ترويض الأسود الأفريقية بسرعة فائقة، وأصبح منتخبهم أول المودعين لنهائيات كأس العالم بعدما فرّط في تقدمه وخسر أمام الدنمارك 1-2 في الجولة الثانية من منافسات المجموعة الخامسة، علماً بأنه كان قد سقط في أولى مبارياته أمام الكمبيوتر الياباني بنتيجة صفر-1، قبل أن يعود ويختتم رحلته المشؤومة بتجرع هزيمة ثالثة أمام الطواحين الهولندية 1-2.

ولاحقاً، أعرب إيتو لاعب نادي إنتر ميلان الإيطالي عن خيبة أمله، مؤكدا أن خروج منتخب بلاده من الدور الأول لكأس العالم يعد نكسة كبيرة في مسيرته الاحترافية.

وأثار خروج منتخب الكاميرون من الدور الأول سخط واستياء الجماهير الأفريقية بشكل عام وعلى وجه الخصوص الكاميرونية منها، التي تلقت صدمة قوية جداً خاصةً إثر الخروج من الباب “الخلفي” لكأس العالم، وهي التي كانت تمنّي النفس بمعانقة اللقب للمرة الأولى في تاريخها بعد دخولها، دخول الفاتحين المنتصرين. 

جنوب أفريقيا

وإذا شكل خروج الكاميرون صدمة في الشارع الأفريقي فإن فشل منتخب الـ “بافانا بافانا” في تخطي الدور الأول، جاء “مهيناً” لجنوب أفريقيا والاتحاد الدولي لكرة القدم والأفريقيين، خصوصاً أن جميع الإمكانات كانت قد سُخّرت للوقوف خلف أبناء كارلوس ألبيرتو باريرا، الذين يمثلون صورة البلد المضيف ويحملون آمال الأجيال الصاعدة.

سكتت أبواق الفوفوزيلا نهائياً بالنسبة لأبناء مانديلا وتجمّد هامش أمل منتخب “الأولاد” الذين يبدو أنهم لن يكبُروا في مونديالهم، لكن كلمة حق لا بد أن تقال في حق أصحاب الضيافة وهي أنهم خرجوا عقب فوزهم على وصيف بطل العالم بنتيجة 2-1 وتعادلهم في المباراة الافتتاحية مع منتخب المكسيك العنيد 1-1، غير أن خسارتهم الثقيلة أمام أوروغواي كانت كفيلة بإقصائهم وتأهل منتخبي أميركا الجنوبية والكونكاكف على التوالي عن المجموعة الأولى.

نيجيريا

وحَلَمَ نسور نيجيريا بالتحليق في سماء جنوب أفريقيا بقيادة رمز الصرامة المدرب السويدي لارس لاغرباك لكن الرعونة والحظ السيئ عاكسا المنتخب النيجيري أمام الأرجنتين (صفر-1) واليونان (1-2) وكوريا الجنوبية (2-2) على التوالي.

وفي جنوب أفريقيا تبدلت الأدوار وتخلت النسور الخضر عن سعيها لاصطياد الفوز وتحولت إلى فريسة سهلة في المجموعة الثانية إذ احتلت المرتبة الرابعة برصيد نقطة واحدة خلف كل من الأرجنتين المتصدرة (9 نقاط) وكوريا الجنوبية الثانية (4) واليونان (3).

ولعل السقوط المتتالي لمنتخب مدجج بكافة أنواع “الأسلحة الكروية” بات يُحتّم على الاتحاد النيجيري لكرة القدم إعادة النظر بسياساته واستراتجياته المستقبلية بعد التعثر المتتالي إن في أمم أفريقيا أو في كأس العالم.

الجزائر

وفي المجموعة الثالثة فوت منتخب الجزائر ممثل العرب الوحيد في المونديال الأفريقي فرصةً تاريخية للعبور إلى الدور الثاني بعدما سجل حضوراً مشرّفاً خلال مبارياته الثلاث.

واستهل الجزائريون مغامرتهم “المونديالية” الثالثة بخسارتهم المباراة الأولى أمام سلوفينيا بنتيجة صفر-1 بعد خطأ فاضح من الحارس فوزي الشاوشي، قبل التعادل السلبي في الثانية مع إنكلترا، لينهوها بخسارة في اللحظات الأخيرة أمام الولايات المتحدة صفر-1.

ويمكن اعتبار العقم الهجومي للمنتخب الجزائري الذي لم يسجل أي هدف في ثلاث مباريات، السبب الأساسي في عدم بلوغه الدور الثاني للمرة الأولى في ثالث مشاركاته. علماً بأنه لم يكن أمام محاربي الصحراء سوى خيار واحد ألا وهو الخروج بنقاط المباراة الثلاث في بريتوريا، لكن المنتخب الذي بني لكي يدافع، لم يتمكن من التحول إلى ماكينة لتسجيل الأهداف، مع التذكير أن مهاجميه أضاعوا العديد من الفرص أمام مرمى الحارس الأميركي تيم هوارد. 

كوت ديفوار

وبدورها لم تتمكن كوت ديفوار بقيادة ديدييه دروغبا مهاجم فريق تشلسي الإنكليزي من فرض كلمتها في المجموعة السابعة حيث كانت الغلبة “للغة البرتغالية” مع تأهل كل من البرازيل والبرتغال إلى الدور الثاني.

وواجه “منتخب دروغبا” حظاً عاثراً في “مجموعة الموت” بعد أن رشحه الكثيرون للتفوق على “منتخب كريستيانو”، تمثل في تعادل سلبي غير مستحق مع البرتغال، في مباراة امتلك زمام أمورها وكانت له سطوة كبيرة فيها، وكان قريباً من الفوز لولا غياب التوفيق وافتقار اللاعبين للتركيز، في حين جاءت المباراة الثانية للأفيال أمام “متعهد” كأس العالم، منتخب السامبا، الذي حقق فوزاً منطقياً بالثلاثة على الرغم من بعض اللمحات الفنية والفرص الخطيرة لمنتخب أفريقي دون أنياب هجومية، مكتفياً بهدف واحد سجله قائده في الدقيقة 79.

وبعد اكتساح البرتغال لكوريا الشمالية 7- صفر، أضحى منتخب كوت ديفوار مجبراً على تسجيل ثمانية أهداف نظيفة في شباك كوريا الشمالية في الجولة الثالثة والأخيرة، وانتظار فوز البرازيل على البرتغال بهدف دون رد. وبات الحلم الأفريقي بحاجة إلى معجزة كي لا يتحول إلى كابوس، وبالطبع فالمعجزة لم تحصل و”قيامة” المنتخب الإيفواري لم تتحقق، فاكتفى بالفوز على كوريا الشمالية بنتيجة 3- صفر منقذاً بذلك شرفه وسمعته ومحافظاً على ماء وجهه.

هذا ويعتبر متابعو شؤون الكرة الأفريقية وشجونها، أن فترة الإعداد والتحضير لم تكن كافية على الإطلاق خصوصاً أن قسماً كبيراً من لاعبي منتخبات القارة السمراء يلعبون في الدوريات الأوروبية فيما يلعب القسم الآخر في نظيراتها الأفريقية أو المحلية، ومن هنا، لم يكن الوقت كافياً لإيجاد اللحمة والانسجام، ما جعل مهمة المدربين شبه مستحيلة خصوصاً أن الوقت يعتبر من العناصر المهمة لتحقيق الانصهار والوصول إلى ما يعرف بـ”النضوج الذهني” في أي نوع من الألعاب الرياضية وعلى وجه الخصوص الجماعية منها.

غانا

وحدها غانا، رفضت أن تكون من ضحايا الدور الأول فتمكنت من العبور للدور الثاني إلى جانب ألمانيا التي تصدرت المجموعة الرابعة، بعد فوز مستحق حققه الغانيون على صربيا بنتيجة 1-صفر وتعادل إيجابي 1-1 مع أستراليا وخسارة مشرفة صفر-1 أمام الماكينات الألمانية بعد مباراة وصفت بموقعة “الحديد والنار”.

كسر منتخب “النجوم السوداء” الحظ السيئ الذي واكب المنتخبات الأفريقية في مباريات الدور الأول، وكرّس نفسه سفيراً للكرة السمراء في الدور الثاني منعشاً الحلم الأفريقي الذي تلاشى واضمحل بعد أفول نجم منتخباته. 

واليوم تقف القارة الأفريقية التي تبحث عن الضوء صفاً واحداً خلف “النجوم السوداء” في سعيهم لبلوغ الدور ربع النهائي عندما يواجهون منتخب الولايات المتحدة العنيد في الدور الثاني وشعارهم “لا بديل عن الفوز” علماً بأن فوز المنتخب الغاني، إن تحقق، سيكون بمثابة الثأر لمنتخب الجزائر، ضحية منتخب بلاد “العم سام” الذي يبحث عن تكرار سيناريو كأس القارات.    

الإنجاز الآسيوي

وإذا كان موضوعنا يتمحور حول خروج المنتخبات الأفريقية من الدور الأول، فلا بد لنا من التوقف عند الإنجاز الآسيوي الذي تمثل بصعود كل من اليابان وكوريا الجنوبية إلى الدور الثاني والإشادة بانضباطهما التكتيكي خصوصاً منتخب الساموراي الذي قدم طابعاً كروياً يمزج بين المتعة والانضباط والروح القتالية العالية، ممّا جعله يقتحم الدور الثاني بقوة ليضرب موعداً مع نظيره، منتخب باراغواي، تماماً كما فعل منتخب كوريا الجنوبية الذي سيواجه أوروغواي.

وبعد انجلاء غبار الدور الأول تتجلى معطيات لابد من التوقف عندها وهي أن منتخبات القارة العجوز عانت الكثير وكانت بعيدة عن الإقناع بشكل كبير، ويبدو أن الإرهاق المتراكم الناتج عن دورياتها الكروية الطاحنة تسلل إلى لاعبيها وأصابهم بالترهل المبكر.

وأخيراً، وليس آخراً، لا يمكننا إلا أن نقف وقفة احترام للقارة الأميركية بشكل عام وخصوصاً النصف الجنوبي منها، إذ استطاعت جميع منتخباتها الصعود إلى الدور الثاني باستثناء هندوراس.

فمنتخبات كل من الولايات المتحدة والمكسيك والأرجنتين والبرازيل وتشيلي وباراغواي وأوروغواي تمكنت من العبور بسهولة وسلاسة، في حين كان السقوط المدوّي لحامل اللقب المنتخب الإيطالي ووصيفه الفرنسي اللذين احتلا المركز الرابع في مجموعتهما مودّعين كأس العالم بخُفَّي حُنين.     

وختاماً، نعرج على قارة أوقيانيا لنلقي بالتحية على منتخب “الكيوي” الذي سجل ظهوره الثاني في نهائيات كأس العالم بطريقة مشرفة برغم خروجه من الدور الأول ذلك أن النيوزيلنديين لم يتجرعوا طعم الهزيمة وحققوا ثلاث نقاط من ثلاث مباريات بتعادلهم مع سلوفاكيا 1-1 وإيطاليا 1-1 وباراغواي صفر-صفر على التوالي.

وفي النهاية، فإن كرة القدم لا تقتصر على النتائج والإحصاءات، بل هي احتفال الشعوب، هي تفاعل الحضارات والعقائد المختلفة وانصهارها في بوتقة الرياضة. وهذا ما أكدته دولة “قوس القزح” بالنيابة عن القارة الأفريقية من خلال استضافتها المشرفة، إذ نجح العرس الكروي العالمي في استقطاب أنظار مئات الملايين من المشاهدين في كل أنحاء المعمورة وبتسليطه الضوء في الوقت نفسه على هذا البلد الإفريقي الذي قد يشذ عن معاناة القارة السمراء بما يحققه من تقدم اقتصادي وسياسي نموذجي يمكن أن تقتدي به سائر دول أفريقيا.

 

الاخبار العاجلة