سبق أن اشرنا في إحدى مقالاتنا أن السياسة و الرياضة لا يلتقيان . لكن هذا لا يمنعنا القول أن الساسة كانوا يتدخلون أحيانا في القرارات الرياضة سواء على مستوى الاتحادات المحلية أو على مستوى الاتحاد الدولي للعبة .لكن في السنين الأخيرة نجد أن أصحاب القرار للعبة أصبحوا لهم تأثير مباشر على السياسيين . فبالأمس القريب و عندما انسحب المنتخب الطوغولي من منافسات كأس إفريقيا رأينا كيف أن الاتحاد الدولي كيف اصدر عقوبة الحرمان من المشاركة لدورتين ، رغم أن قرار الانسحاب جاء بعد الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية لأفراد بعثة بلاده .
و اليوم هدد جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم نيجيريا بعقوبات صارمة تصل إلى حد العزل فيما إذا تدخل الرئيس النيجيري في القرارات الكروية وهو الذي كان يعتزم إصدار قرار يقضي بمنع المنتخب النيجيري من المشاركات الخارجية لمدة عامين إثر إخفاقات المونديال، وفي ذات الاتجاه أبدى زعيم الكرويين امتعاضه من دعوة الرئيس الفرنسي ساركوزي لهنري والاجتماع به في الإليزيه لبحث أسباب فشل الديوك في جنوب أفريقيا، وكما هو معروف فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم ينتهج سياسة تحييد الرياضة عن السياسة وسبق أن أصدر قرارات عنيفة في حق العديد من المنتخبات مثل الكويت واليمن ولبنان وغيرها عندما تدخل الساسة مباشرة لتغيير قرارات رياضية. والواقع أن وجهة نظر بلاتر وأعضاء الاتحاد الدولي جميلة وبراقة ومن الممكن أن تصل إلى المثالية ولكن من الصعوبة بمكان أن نطبق المثل على أرض الواقع فالرياضة بمفهومها الحديث باتت من مؤشرات رقي الأمم وتقدم الشعوب ولها تأثير سحري على كل شرائح المجتمع صغيرها قبل كبيرها وبالتالي هل يعقل أن تسير قراراتها بمعزل عن القرار السياسي؟ صعبة بل وقد تكون مستحيلة! لقد تابعنا أحداث المونديال وتابعنا تفاعلات القادة السياسيين العفوية التي جاءت متزامنة مع الأحداث الكروية، فها هي المستشارة الألمانية ميركل تقبل رئيس جنوب أفريقيا زوما لا شعورياً وهي التي تركت كل ارتباطاتها لتتابع المونديال ليس ذلك فحسب بل ذهبت إلى قلب الحدث لمشاهدة المنتخب الألماني مباشرة من الملعب والتفاعل مع ما يقدمونه على البساط الأخضر بحركات لا تعبر عن رئيس دولة، وعلى ذات النهج جاءت تصرفات الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا الذي سخر من ميسي وحمل الفوفوزيلا وراح يعزف على أنغام السامبا. في عهد مضى كانت الرياضة على وجه العموم ورياضة كرة القدم على وجه الخصوص عبارة عن أنشطة منبوذة في مجتمعات، وطائشة في أخرى، ولكن مع مرور الوقت اكتسبت مكانة لها وأصبحت تستحوذ على اهتمام الاقتصاديين الذين وضعوا جملة من سلة عملاتهم في المجال الرياضي لتحقيق أهداف اقتصادية، وتفاعلات الساسة الغربيين التي ذكرت بعضاً منها سلفاً مع الحدث الرياضي تجعلني أقول إنهم فطنوا لأن أهدافهم السياسية من الممكن أن تتحقق عبر الرياضة، فعلى بلاتر ورفاقه التأهب لمرحلة جديدة تتقدم فيها الرياضة على السياسة.
بقلم: محمد حارص