عبد الله المجاهد
إن دراسة التاريخ الرياضي في عصرنا الحاضر، يكتسي أهمية كبرى كونه أصبح علما قائما بذاته وهو سلسلة متصلة لا يمكن الفصل بين دوراته ومحطاته، وان القصد من دراسة هذا التاريخ بصورة عامة هو خلق الوعي عند أفراد الشعوب والسعي لإدراك معنى التاريخ الرياضي كعلم ينتظم فيه الوعي لفهم الوقائع الرياضية القديمة وربطها بالحاضر.
إن دراسة التاريخ الرياضي خاصة من طرف المثقفين الرياضيين يساعد على معرفة الماضي وتشخيص الحاضر والمستقبل، فدراسة الحركة الرياضية العالمية قديما وحديثا تساعد الباحث في الوقوف على مدى التطور والتقدم والأدوار التي مرت بها الشعوب في المجال الرياضي. هذه الدراسة تبحث في العلاقة التي تربط السياسة بالرياضة وتأثير الرياضة على العلاقات الدولية من خلال التاريخ الرياضي لكأس العالم والألعاب الاولمبية و المحطات الرياضية العالمية، وتتضمن هذه الدراسة عدة تساؤلات :
1 – ما العلاقة بين السياسة والرياضة ؟
2 – هل الرياضة في خدمة السياسة أم السياسة في خدمة الرياضة ؟
3 – ما هو التأثير الذي تحدثه الرياضة في السياسة الدولية ؟
إن الدارس لتاريخ الرياضة يجد نفسه أمام كثير من الأسئلة التي تظهر قبل وأثناء الأحداث الرياضية المختلفة التي أقيمت في السابق و سجلت فيها مواقف متباينة كالمقاطعة ، التموقف ، المشاركة المشروطة….مثل المقاطعات للألعاب الاولمبية ، والتمييز العنصري ، والعنف الرياضي…….. إن هذا كله يقودنا إلى سؤال لماذا هذه الأحداث ولصالح من ؟
وللإجابة على هذا السؤال نرى من خلال الملاحظات والاطلاع على المصادر بان السياسية العامة للدولة
والحكومات المختلفة هي التي تقوم على إظهار هذه الأحداث أما لهداف سياسية أو عسكرية أو اقتصادية متناسية في حين أن الرياضة هي ميدان واسع وخصب لإقامة العلاقات بين اللاعبين أنفسهم من جهة وبين الدول من جهة أخرى وان الرياضة هي ميدان العلاقات الاجتماعية بصفة عامة .
إن دخول السياسة لميدان الرياضة أمر بديهي وخاصة بعد النجاح الذي حققته الدورات الاولمبية ومباريات كأس العالم في جمع اكبر عدد ممكن من الجماهير الشعبية عبر القارات الخمس باعتبارها مقياسا للحضارات ورقي البلدان التي تعكس الوجه السياسي للبلد المنظم وإظهار الصورة الصحيحة له.
وان السياسة هي عبارة عن التمثيل الحكومي وتنظيم العلاقات والأعمال العامة للدولة. لذلك نرى بان السياسة هي الدائرة التي تسبح بها جميع أنظمة الدولة من فنون وثقافة ورياضة وغيرها من العناصر التي تؤثر وتتأثر بها . ومن غير الممكن تجنب النفوذ السياسي بالرغم من الألعاب الأولمبية التي تتمسك بالمبادئ ولكن أفعالها تنقض ذلك هذا التناقض جاء نتيجة الصراعات والحروب والتوترات التي صاحبت عصرنا الحاضر وخصوصا في بداية القرن العشرين الذي نقل هذه الأحداث إلى البطولات العالمية المختلفة حتى أصبحت الرياضة بعد الحرب العالمية الثانية أداة هامة من أدوات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي و الغربي وان النجاح الرياضي لبعض الدول أصبح يعد نجاحا للتنظيمات السياسية بشكل يوحى بالتحدي والتنافس غير الرياضي مما أدى إلى ظهور العديد من المشكلات في الدورات الاولمبية وكاس العالم والبطولات القارية كالمقاطعة والتمييز العنصري مم يتنافى مع الأهداف النبيلة والسامية للرياضة.
ومن هنا تأتي أهمية البحث كونه أتى بعد انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب وتحت نظام عالمي جديد يسيطر على العالم منذ 1990 كما تأتي أهمية البحث كونه يتطرق إلى مجموعة القضايا التي حدثت بعد عام 1990 واظافة الأحداث الجديدة لتكون عاملا مساعدا للأبحاث والدراسات في المستقبل .
بدأت الألعاب الاولمبية القديمة سنة 776 ق م وكان الهدف منها خلق الروح الرياضية المشتركة وإيجاد نظام رياضي شامل يجمع شباب العالم حول التعاون وإحلال السلام بين الشعوب كما ساهمت قديما وحديثا في التأثير على السياسة العالمية من خلال توقف الحروب والنزعات السياسية عند إعلان موعد الألعاب الاولمبية وخير دليل على ذلك ما حدث سنة 1998 حينما تم تأجيل الضربة العسكرية للعراق بعد انتهاء الدورة الاولمبية الشتوية في اليابان ، إن هذا التأثير الرياضي الذي أحدثته هذه الدورة جنب مجموعة من الدول من حرب كادت أن تقضي على العديد من الناس الأبرياء لذا فان الألعاب الاولمبية لم تكن بمعزل من السياسة العالمية أو الإقليمية وسنتطرق إلى مجموعة من الدورات الاولمبية التي تم مقاطعتها لأسباب مختلفة :
– 1896 عدم اعتراف منظمات الجمناستيك الأوربية بالدورة الأولى
– 1936 رفض الولاية المتحدة الأمريكية المشاركة في الدورة 11
– 1956 رفض الصين للمشاركة احتجاجا على دعوة اللجنة الدولية الاولمبية للتايوان
– 1972 تفجير الطائرة الإسرائيلية في ميونيخ وانسحاب مصر من الدورة 20
– 1976 مقاطعة الدول الإفريقية للدورة احتجاجا على مشاركة منتخب نيوزيلندا لدعمه
جنوب إفريقيا العنصرية آنذاك.
– 1980 مقاطعة أمريكا لدورة موسكو بسبب غزو روسيا أفغانستان
– 1984 مقاطعة روسيا لدورة لوس أنجلس ردا على موقف أمريكا من دورة موسكو
– 1996 تهديد الوفود العربية بالانسحاب حين أشار المذيع الداخلي للدورة للوفد الإسرائيلي
بان القدس عاصمة إسرائيل
أما بالنسبة لتنظيم كأس العالم باعتباره حدثا رياضيا دوليا تزامن أيضا مع مجموعة من الإحداث السياسية أدت إلى إيقافه أحيانا وتأجيله وكذا تموقف بعض الدول من المشاركة ومقاطعته.
– 1930 قاطعت انكلترا الدورة الأولى على أساس أن كأس العالم سينظم ببلدها .
– 1950 انسحاب روسيا وهنغاريا وإبعاد ألمانيا
– 1970 انسحاب بعض الدول الأسيوية والعربية احتجاجا على مشاركة إسرائيل في
المجموعات الأسيوية .
– 1984 حرمان يوغوسلافيا من المشاركة بسبب الحرب
– 1998 حرمان ليبيريا من المشاركة بسبب الحرب الأهلية والمجاعة
وبالنسبة للدورات الرياضية العربية ودورات البحر الابيص المتوسط كغيرها من الدورات العالمية تأثرت هي أيضا سلبيا من تدخل السياسة في الرياضة وذلك على النحو التالي :
أثناء الدورة العربية السابعة سوريا 1992 شاركت معظم الدول العربية فيها لكن الاجماع العربي الرياضي رفض مشاركة المنتخب العراقي في هذه البطولة بسبب اجتياح العراق للكويت . كما أن السياسة أثرت تأثيرا واضحا على مباراة الكويت والأردن في هذه الدورة عندما رفض الفريق الكويتي مصافحة الفريق الأردني لكرة القدم نتيجة الموقف الأردني من حرب الخليج وخلال الدورة العربية الثامنة بلبنان 1997 ، عادت السياسة لهذه الدورة بمنع المنتخب العراقي من المشاركة بالرغم من دعوته من طرف الدولة المنظمة.
وبالنسبة لدورات البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت في الإسكندرية 1951 و تونس 1967 و الدر البيضاء 1983 منعت إسرائيل من المشاركة في هذه الدورات بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية .أما الدورة التي أقيمت بسوريا فقد كانت كسابقاتها ، فلم تسمح لإسرائيل بالمشاركة بالإضافة إلى دولة مصر بسبب زيارة الرئيس المصري السابق للقدس سنة 1979.
إن أول تدخل للسياسة في المجال الرياضي يعود إلى بداية تنظيم البطولات الرياضية العالمية وخاصة مع استئناف دورات الألعاب الاولمبية منذ بداية القرن 20 إلا أنها تتوقف أحيانا بصدور قرار سياسي ويستأنف نشاطها أيضا بفرارات مختلفة ، أما كرة القدم نفسها فقد منعت بقرار ملكي وأبيحت بأسلوب مشابه ، ففي القرن 20 كان التدخل بين الجانبين في أوضح صورة ، فقد تعطلت بطولة كأس العالم ودورة الألعاب الاولمبية لسنوات بسبب الحربين العالميتين ، وفي السبعينات أثرت الرياضة بأزمات سياسية من جديد سواء عبر الهجوم الفدائي الفلسطيني على البعثة الإسرائيلية في اولمبياد ميونيخ أو عبر المقاطعة الإفريقية لدورة موريال سنة 1976 بسبب التعامل مع جنوب إفريقيا ، وتصاعد الأمر إلى ذروته بالمقاطعة الأمريكية والغربية لأولمبياد موسكو سنة 1980 ورد روسيا وحلفائها
بمقاطعة لوس أنجلس بعد أربع سنوات.
ورغم محاسن الرياضة التي أعادت العلاقة بين الصين وأمريكا عبر دبلوماسية كرة الطاولة كما أعادت العلاقات الأمريكية الإيرانية عبر لقاءات المصارعة وكرة القدم بين البلدين، ورغم كل هذا فان السياسة تحاول إعادة النظر في استضافة دولة قطر لكأس العالم 2022
ومن خلال هذا العرض يتضح جليا أن هناك تداخل بين السياسة والرياضة فمتى يمكن للقائمين على الشأن الرياضي الدولي أن يعملوا جاديين على فصل الرياضة عن السياسة ؟.