بقلم محسن العبيدي الصفار
عندما اصيب لاعب كرة القدم الشاب في قدمه حاول الاطباء جاهدين معالجتها ولكن وبعد عدة عمليات جراحية صعبة ايقن الاطباء ان اصابة القدم كانت من الشدة بحيث اضطروا الى منع النجم الشاب من ممارسة اللعبة نهائيا , انهار العالم أمام عينيه ففي لحظات تحول من لاعب شهير تتسابق الاندية لضمه اليها مع مزايا خيالية من راتب وسيارة وشهرة واضواء الى شخص عادي لايكاد احد يسأل عنه, اثرت عليه هذه الحالة حتى اصيب بإكتئاب شديد فترك دراسته الجامعية واهمل مظهره وترك صلاته واعتزل الناس وبقي وحيدا في غرفته ليلا ونهارا مما جعل اهله يقلقون كل القلق ويفكرون باي طريقة لاخراجه من عزلته واعادته الى الحياة الطبيعية , نصحهم الطبيب المعالج بمراجعة اخصائي نفسي هو الافضل في مجال عمله اسمه سعيد عله يستطيع مساعدته .
لم يرض اللاعب الشاب في بداية الامر ولكنه رضخ بعد الحاح شديد من الاهل والاصدقاء وذهب الى موعده مع المعالج النفسي سعيد .
دخل الى العيادة وجلس على الكرسي وبعد التعارف قال بشكل مباشر لايخلو من الوقاحة :
– سيد سعيد اريدك ان تعرف اني لم ات الى هنا برغبتي وبصراحة انا اعتبر العلاج النفسي نوعا من الدجل .
ضحك سعيد وقال :
– وانا ايضا اتفق معك في هذا ولكن مادمت قد جئت فدعنا نتحدث حتى نهاية الجلسة واكون انا قد جنيت مالي وتكون انت قد تخلصت من الحاح اهلك واصدقائك .
وافق الشاب وقال :
– حسنا فانا حياتي قد ضاعت وانتهت على اي حال ولم يعد للوقت لدي اي قيمة فسواء قضيته امام التلفاز طوال النهار او معك فالامر عندي سيان .
قال سعيد وهو يهز رأسه :
– صحيح والله معك فعندما ينتهي طموح الانسان ومسيرته المهنية فما فائدة الحياة اصلا ؟
استغرب الشاب هذا الكلام وقال :
– اي نوع من المعالجين انت ؟ اليس المفترض ان ترفع معنوياتي ؟
قال سعيد :
– لا , فكما قلت انت انا لست سوى دجال يبيع الوهم للناس !! انا لن اعظك او اعالجك ولكني سأروي لك قصة حصلت مع احد الاشخاص شبيهة تقريبا لما حصل معك , هذا طبعا ان وددت سماعها .
اجاب الشاب بلا اكتراث :
– الامر عندي سيان قصة ,موعظة, اي شيئ المهم تنتهي الجلسة واعود الى بيتي .
قال سعيد :
– القصة بدأت عندما كان احد سواق الاجرة وهو شاب طيب القلب لم يكمل تعليمه الثانوي ومتزوج وعنده ثلاثة اطفال , يقود سيارته برفقة عائلته في يوم الاجازة ليذهب بهم الى مدينة الالعاب كي يتسلى الصغار وكان الجميع فرحين ويضحكون وفجأة اتجهت نحوهم سيارة شحن ثقيلة افلتت مكابحها فحاول السائق ان يتفاداها ولكنه لم يفلح فاصدمت بهم صدمة ساحقة , وحين افاق وجد نفسه في غرفة العناية المركزة يتأرجح بين الحياة والموت وبعد عدة ايام وعندما استقرت حالته علم من الاطباء انه قد فقد زوجته واولاده الثلاثة وانه قد اصيب بالشلل في كلتا ساقيه .
تأثر الشاب وقال :
– سبحان الله مسكين .
اكمل سعيد وقال :
– وبعد فترة من العلاج في المستشفى عاد الى بيته فلم يستطع البقاء فيه فقد كان كل شيئ فيه يذكره بعائلته التي فقدها فذهب عند احد اصدقاءه وسكن في غرفة على السطح في بناية يملكها , ولم يكن يعرف مكانه سوى الصديق وخادم اتفق معه ان يأتي لرعايته مرة يوميا لينظف ويعد له الطعام .
كان الرجل قد فقد ايمانه بالكامل وظل يردد لو ان الله كان عادلا كما يقال فلم فجعني باهلي هكذا؟ وانا الذي لم افعل شيئا يغضبه لهذا الحد .
هز الشاب رأسه :
– الصراحة معه حق فأنا ايضا سألت نفسي هذا السؤال مرات عديدة .
اكمل سعيد وقال :
– بقي الرجل على هذه الحالة فترة من الزمن شحب وجهه من قلة التعرض للشمس وطال شعره وذقنه وفاحت رائحته من قلة الاستحمام وتدهورت صحته حتى اضطر صديقه والخادم الى نقله الى المستشفى مجددا .
وفي يوم كان راقدا في سريره وفتح الراديو فكان المقرئ يرتل هذه الاية الشريفة :
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
رد الشاب :
– صدق الله العظيم
اكمل سعيد وقال :
– يقول صاحبنا نزلت علي هذه الاية كالصاعقة على رأسي واحسست ان الله سبحانه وتعالى يخاطبني بها ويرد بها على سؤالي انا تحديدا , فاستغفرت ربي على ضعفي وقلة ايماني .
تطهرت واخذت وضوءا وصليت وفتحت كتاب الله واخذت أقرأ فاحسست باحساس غريب فكانت كل اية اقرأها تدخل في عروقي وشراييني كالمصل فتذهب بالالم والهم والغم وختمت القران فاحسست نفسي رجلا اخر وادركت ان الله له في كل قضاء حكمة وفي كل بلاء رحمة , فخرجت من المستشفى وعدت الى بيتي وعاهدت نفسي ان اكون من الصابرين الذين بشرهم الله وان اكون قويا ليس لنفسي فحسب بل لكل شخص بحاجة الى مساعدة .
تعجب الشاب وقال :
– سبحان الله اية واحدة من القران غيرت كيانه هكذا؟ ولكن ماذا سيفعل فهو كسيح ولن يستطيع العمل كسائق اجرة بعد الان ؟
اكمل سعيد وقال :
– يقول صاحبنا انه عثر على عمل كموظف استعلامات يجيب على الهاتف طوال النهار وفي نفس الوقت بدأ يدرس من جديد بدوام مسائي حتى حصل على شهادته الثانوية بمجموع عال وظل يدرس حتى تخرج من الجامعة بتفوق ولم يتوقف بل اكمل الماجستير والدكتوراه واصبح واحدا من اهم العلماء في البلد .
شرد ذهن لاعب الكرة الشاب وقال :
– كلامك يادكتور قد لخبط كياني فإذا كان رجل كسيح بلا ساقين قد تمكن من النجاح في حياته وتغلب على مصيبته وتحول من سائق اجرة الى عالم كبير , فأنا على الاقل لازلت املك ساقين اثنين وانا طالب في الجامعة بالفعل فلن اكون اقل منه واضعف وسأستمر بدراستي واتخرج وابذل كل جهدي كي انجح في مجال اخر في الحياة غير الكرة .
شكرا لك يادكتور فقد ساعدتني ان أرى ماخفي عن عيني انك حقا معالج ماهر جدا , ومع إني اعتقد ان قصتك فيها الكثير من المبالغة وربما تكون خيالية الا انها اثرت في كل التأثير واريدك ان تسلم لي على زميلك وتحييه .
ابتسم الدكتور وقال :
– انا لم اعالجك بل دردشت معك ورويت لك قصة صديقي لاغير وانما انت من عالجت نفسك واخترت الخروج الى النور بدلا من العيش في الظلام ولعل الاية الكريمة قد اثرت فيك ايضا مثلما غيرت حياة صديقي .
خرج الشاب من عند سعيد ولم يكن هناك مرضى اخرون , فضرب سعيد الجرس ودخلت الممرضة مع كرسي متحرك وساعدت سعيدا على النهوض ووضعته فيه وغطت ساقيه المشلولتين ودفعته إلى خارج العيادة .