الملعب البلدي بالناظور.. الشجرة التي قصفتها الرياح.

22 أكتوبر 2014
الملعب البلدي بالناظور.. الشجرة التي قصفتها الرياح.

محمد بوتخريط

أهو شكل من العبث ، أم تعذيب بطيء لنا..
هناك في المدينة ، التقيت بهم .. اخبروني ان الناظور سيعرف ملعبا بالعشب الإصطناعي .. كنت فرحاً كطفل فاجأه أبوه الفقير بهدية العيد.
وعلى الطرف الآخر من باب المدينة ، كنت أتلعثم بخطواتي وكلماتي، حين فاجأتنني الحراسات هناك بأن “العشب” ليس من أجل عيون مدينتي بل من اجل عيون الآخرين … و حذرتني من اغتصابات أخرى آتية.
لم يعد أثر للفجر في ذاك المكان “النائي” . و لا أثر لذاك الدفئ الذي كان يغمر الجو عادة .

رائحة الزمن الجميل .
في مثل هذا الوقت من أوائل الصيف .. حين مررت قرب المكان انتابني -وكما مَن هم على شاكلتي – احساس بالحزن لما آل اليه .
اعلم جيدا ان لا الزمان هو الزمان ولا المكان اليوم يطابق المكان القديم …ولكن ذاكرتي أبت الا ان تسافر بي للحظات الى سنين مضت .. الى الـ : “فوربو”.
هي رائحة الزمن الجميل . ما كان الـ : “فوربو” وحده، هو من كان يشدنا إليه، كانت تشدنا اشياء اخرى كثيرة .
وحين امر اليوم بالمكان ..ارى أسماء منقوشة على ما تبقى من جدران الملعب ، للاعبين مرُّوا من هناك .. تركوا بصمات في تاريخ “المستديرة” الناظورية.. اشم فيه رائحة جيل بأكمله .
عشنا معه أقوى اللحظات… جيل أتحفنا بعروض فنية شيقة داخل ذات “الفوربو” الذي قالوا عنه اليوم انه “ستخضر ارضيته بلون اصطناعي “.

اسمعهم اليوم… شباب المدينة أقوياء كانوا… هم من كانت صفحات التاريخ بعضاً من سطور أفعالهم .
وإن كنت اليوم جئت لأستحظرهم ، فليس فقط لنتعرف عن تاريخهم …ولا عن حياتهم .. بل جئت لنتعرف أين نحن من هؤلاء..
مولاي و ديدي وكورينتا و(بورتيرو) ميمون وحماد وباراشينا ونجيب وخينطو والروبيو والعربي و وكحلاوي والتسولي والشريف وبوسحابة وبوقادوش وغيرهم.
وطبعا بنخدة و البكاي وأقشار و بولحفة و مصباح و المعكشاوي و سميري و مرابط و ميمون ن مريتش ، التانوتي ، بنعزة… وآخرون كثيرون..
أسمعهم اليوم يصرخون في صمت … بعد ان استمتعنا ولسنوات بعروضهم الجميلة ، وبلمحاتهم الفنية ، ولمساتهم التكتيكية ، التي كانت تؤكد للجميع – أو اننا كذلك كنا نتخيل – ان المستقبل لشبابنا ، الذي سيحمل على عاتقه مهمة المشاركة في إنجاح المشروع الرياضي الناظوري الريفي ، من خلال حالة النهوض الرياضي التي كان يقودها شباب المدينة وبإمكانيات ذاتية محظة.

أتذكر أيام العز والكرامة وأيام كنا نحلم بفريق كروي واحد . لم أكن أبدا فى يوم من الأيام من مناصري الهلال او الفتح ولكني كنت قريباً من الفريقين بمعنى من المعانى ، وعندما ظهرت فرق أخرى كنت اساند الجميع.
ولست أدرى ما الذى جعلنى أراها اليوم أمامى وأسمع صوت “المناصرين” وهم يهتفون « الهلال.. ازْدك ازدك.. آآآ.الهلال.».« الفتح امشا وارجع و….»..الخ من الشعارات التي كانت تلهب قلوب الجماهير المتعطشة دائماً “للنصر”.
تُرى هل سيشعر أصحابي اليوم بما أشعر به …اللحظة.

معاناة .. في صمت رهيب.

كانت طموحاتنا كبيرة في ان نرى “الهلال” فريق رياضي كبير، ولو بامكانيات قليلة…عشنا مع الفريق أزهى فتراته وهو في القسم الأول.. أتذكر الاحتفالات التي كانت تسبق مباريات الفتح والهلال ، حين كنَّا نملأ جنبات ال ” فوربو” بالناظور ساعات قبل بدء المباريات..
وعشنا معها كل انتكاساتها..حين عاد الهلال إلى القسم الثاني ، ثم بعده إلى قسم الهواة ،ليعود الفرح ثانية مع صعوده من جديد إلى المجموعة الوطنية الثانية.!
كل شيء تحول اليوم الى “أزمات” تعصف بها وهي يعاني في صمت رهيب…
منذ مدة كبيرة تقهقرت و عادت إلى الخلف كل فرق المدينة … ولأسباب ما لا يجهلها أحد ، ولعل أبرزها “غياب الحكامة الجيدة في التسيير الرياضي، وغياب مشاريع رياضية هادفة، مع انعدام التخطيط وعدم توفر الإدارة المثالية”.
واجهت إكراهات كبيرة في كل المواسم ..بسبب غياب ملاعب ملائمة وسواء لأجراء التداريب أو لإجراء المباريات بل وكانت تُرغم على خوض تدريباتها بغابات و”مستنقعات” وشوارع وأزقة المدينة .
دب الجمود بالمدينة ، غادرت “إدارات” وجاءت أخرى و تحولت الوعود سراباً وبعضها الى أكاذيب ، مشاريع بقيت مرسومة على الورق دون تفعيل . ماتت بعد ان ذهبت ضحية أهداف شخصية رخيصة ،نتيجة غياب المسؤولية لدى بعض المسؤولين ، مستغلين غياب المحاسبة ، وعدم اعتماد الحكامة في التدبير المالي و الإداري.

أتذكر ما شاهدته وعاينته هناك ذات صيف حار وانا امر بالمكان … هاجمتني تساؤلات لا ترحم ، وأنا أشاهد منظرا تخيلته من بقايا حرب لم أحضرها بالمكان..أعمدة متهاوية ، لا تحتاج إلا إلى هزة خفيفة أو تصفيق من بعض الجمهور حتى تسقط ..غرف الملابس مخربة …و قطعة أرض اصبحت تشبه مستنقعا للضفادع قالوا عنها “ملعبا لكرة القدم” وكتبوا على ما تبقى من البوابة الكبيرة هناك “هنا ستجرى المباريات الرياضية “… ووراءها كان يبدوا عالم آخر.. عالم من الخيال.. إطارات سيارات .. بقايا اسمنت واسلاك وحديد.. مستلزمات تدريب عفى عليها الزمن …أعمدة إنارة مركونة تحت مدرجات آيلة للسقوط لسنوات..
حالة مأساوية لا تصدّق، “صنابير” المياه او ما تبقى منها سيطرعليها “الصدأ”، واما عن الأوساخ فحدث ولا حرج ، كان هو العنوان الأبرز، عفوا فالأسلاك الكهربائية الموضوعة هناك بـ”عشوائية ” قاتلة كانت تبدو هي الأخطر.

بشكل عام كان يبدوا العمل والمجهود والاجتهاد واضحًا جدا…جدا…جدا، في المكان الذي قالوا عنه ” الملعب البلدي للمدينة “.. او كما الإسم منقوش في ذاكرتنا ” فُورْبُو”.

حين ظهرت ملامح الرواية واضحة.

يوم لم تكن في المدينة من فرق سوى ماتعد على أصابع اليد الواحدة وكانت غنية بمواهب شابة كروية تثير الإعجاب.. كنا نحلم ان نحول أرض المدينة البور إلى سنابل قمح ومواسم خضار.
احلام راودت اهل المدينة منذ سنين طويلة ولكن لم يجدوا من يأخذ بيدهم ليكملوا الطريق .
مرّت الأيام والمدينة على هذه الحال . لم تكن تدري كم مرّ من الوقت وهي نائمة ..تحلم ، ولكنّها حين استيقظت على وقع حوافر خيلٍ تقترب من مكانها وخشيت ان يكون من “قطّاع الطّرق”، تسلّقت أعلى مكان فيها وأخذت تراقب ما يحدث.
رأت بعض مسؤولي وسماسرة المدينة يقتسمون “المدينة” بعد ان فكروا فيها كمكان جميل يتوفر على كل المميزات السياحية بفضل موقعها الجغرافي من جبال ومياه و مناخ ، و مناظر خلابة وما جاور هذا وذاك…فكروا في المدينة وفي تحقيق موارد اقتصادية أخرى – وطبعا – خارج المجال الرياضي .. فتم التفكير في ترميم وإصلاح “فندق المدينة” الذي تحول بفعل فاعل غير مجهول من “ريف” الى “ميركور”.
تغيير إسم ووجهة ، كلف أزيد من 40 مليار سنتيم وفي ظروف ملتبسة … وغامضة بل واكثر غموضا من كل مشاريع المدينة التي سبقت. اختفت تسمية “فندق الريف الناظور” إثر عملية تفويت مشبوهة…وتقرر مسح علامة الناظور و الريف نهائيا والاكتفاء بعلامة “ميركور” كوافد جديد على المدينة واسم جديد للفندق بدل اسم له علاقة بالمنطقة كـ: “ريف ميركور” مثلا..على غرار “كيمادو ميركور” بالحسيمة.
وحين ظهرت ملامح الرواية واضحة وتم تهيئة “الفندق” تم التفكير -طبعا- في “الكماليات” أولها طبعا موقف للسيارات . فاتجهت الأنظار صوب “الفوربو” وأصبحت الحواس عيونا تنتظر النهش فيه . وعلى اثر اصرار “حارس المدينة” ورئيس مجلسها البلدي على عدم تفويت ” فوربو” ( = الملعب البلدي) ليقام عليه موقف أو مربض للسيارات ، اختلطت بعض الأوراق ومعها بعض تصميمات “كورنيش” الناظور ليتحول جزء منه من متنزه للراجلين الى “موقف” لسيارات الضيوف وزوار “فندق الريف” (عفوا) فندق ميركور .
لم تتوقف “غارات التحالف” عن استهداف الـ : “فوربو” . و ما سهل الأمر اكثر ، وضعيته الكارثية التي كان يرثى لها بسبب الإهمال الخطير الذي طاله من طرف المسؤولين، والمجالس المنتخبة الذين كانوا يكتفون فقط و في كل مرة بتهدئة غضب الساكنة بالوعود الكاذبة.
فاصبح منظره الذي يطل عليه جانب كبير من الفندق – طبعا- غير لائق لزوار ميركور . أرضية هشة ، جدران متآكلة، مستودعات و مدرجات أكل عليها الدهر و شرب.. منظر يخلف الإستياء لدى كل مُشاهد خاصة عندما يحول نظره من بناية الفندق “الجميل” نحو هذا الملعب المهجور..والذي اصبح يشكل بذلك إحدى النقط السوداء لمحيط الفندق ..وتفسد جمالية” المكان .
تم “الضغط” وتم التفكير بالتالي في “اصلاحه” حتى يضفي جمالية .. و(في المستقبل) ربحا وأشياء أخرى كثيرة … لن تكون طبعا الا في صالح “ميركور”…وسماسرة المدينة.

بعد أن غير الوحل والغبار الأحمر لون المدينة..

فكر “اولي الأمر” في المدينة بمثل هذه الأمور فأجتمعو وتشاورو وهمس كلاُ منهم للاخر.. وقررو إضافة رتوش ولمسة ماكياج للواقع المزري لمحيط الفندق وفعلا انطلقت أخيرًا أشغال تكسية الملعب البلدي بالناظور بالعشبِ الاصطناعي ضمن مشروع – قيل عنه- يدخل ضمن إعادة تهيئة الملعب الذي أشرفت عليه إحدى الشركات المتخصّصة في هذا المجال بدعم من وزارة الشباب والرياضة ومساهمة المجلس البلدي للمدينة .
بيد أن َّالسؤال المقلق الذي يقضّ مضجع اهل المدينة :
لماذا اليوم فقط تم التفكير في “الإصلاح” وفي “صباغة” المكان بالأخضر بعد أن غير الوحل والغبار الأحمر لون جلد لاعبي المدينة ، وانهك انفاسهم لسنوات وسنوات…
لماذا اليوم فقط …بعد ان بُحّتْ حناجر الغيورين على المدينة من الآهات والصراخ .. بل ووئدت آمالهم وجفت محاجرهم؟
والسؤال الاكثر حيرة..؟
كيف تحول “مشروع بناء” الملعب الكبير الجديد للناظور الى “مشرع اعادة تهيئة وتكسية” الملعب البلدي القديم بالمدينة بالعشبِ الاصطناعي ؟؟!!!

تأكيدات سابقة خاصة منها تلك التي صرح بها وزير الشباب والرياضة كانت تسير في منحى آخر…” أن “الملعب الكبير” للناظور هو مشروع بصدد الإجراءات الأخيرة التي ستجعله يرى النور في القريب “… إذن فالحديث هنا لم يكن حول ” اعادة تهيئة و إصلاح بل عن “مشروع بناء ” بمعنى آخر بناء ملعب جديد بمواصفات جديدة وفي مكان اوسع و…جديد.

ولكن يبدوا من الأمور ان “القريب” لم يعد بعد “قريبا”!!! بعد ان جعلته الجهات المسؤولة بالمدينة ; ابعد من ان يكون اقرب الى “القريب “.
بعد ان تحايلت ذات الجهات على المدينة بجرعات من المهدئات من قبيل ” تكسية ارضية الملعب بالعشب الإصطناعي ” أو عن طريق وعود كاذبة ، محتظنة معها بعضا من صوت ( عفوا) صمت الإعلام الذي تخلى عن دوره بهذه المدينة كرقيب ذو مصداقية في المتابعة الدقيقة للأوضاع و لما يجري ، و لما تؤول إليه الأمور. أصبح فقط يرقص على انغام ذات “الجهات” وكأنه موظفا لديها .

و..لا زالت السماء ملبدةٌ بالغيوم.

أنا لست ضد ان تتجمل المدينة باللون الأخضر إن كان يواتيها…انا فقط أفكر أن السماء لا زالت ملبدةٌ بالغيوم..وأخشى عليها سقوطَ المطر.
فماذا يضيركِ “مدينتي” لو تطالبين بحقك كاملا .. بكل “الملعب” مُركب كامل مكمول كما كل قريناتك في البلد .
وما يضيركِ ؟ )على حد قول الكبيرالراحل نزار..(
هُمْ اليوم فقط وضعوا قليلاً منَ الكحل فوق جفونكِ.. لأنك أنتِ بكيتِ كثيراً.. والكحل القديم غسلته دموعك. وأعرف جيدا ان وجهكِ لازال رغم اختلاط دموعك بالكحل…مثلَ القمرْ…
وأني لست ضدّ ان تتجملي …لكنْي فقط ..لديَّ اقتراح.. بأن نُعيد تقييم بعض الحسابات ..علَّ قليلاً من “المنطق” يكسرُ هذا ” التجمل”.
فلك الحق كل الحق ، كما قريناتك من المدن الأخرى في كل ” المُركب”.
بل انك تستحقين ان يكون لك مركب رياضي بكل ما يحمله من معنى قبل غيرك من المدن ; لموقعك من اوروبا وتاريخك الرياضي وعشق اهلك للرياضة.

وإن أنتِ لم تقبلي برأيي !! سأقبل انا هذا التحدي الجديدْ..بكل برودٍ.. وكل صفاء. وأذكرُ..كم كنتِ تحتفلينَ بآرائي في مجالات أخرى كثيرة .. وتحتضنينَ حروفي صباحَ مساءْ..كما حين حروفي عانقت ” ماعب الريكبي” بأركمان.
وأضحكُ.. اليوم من نزواتِك ..فليتكِ مدينتي لا تقبلين انصاف الحلول وارباعها ولو قبل بها انصاف الرجال فيك .
فإن القضية أكبر منكِ .. وأكبرُ مني..كما تعلمين..
أقول هذا ، لأن اقتلاعكِ من عَصَب القلب صعبٌ .. وانك تستحقين اكثر…اكثر….اكثر..
فالتعلمي انك تتمتعين بكل القوة والقدرات ، فتوقفي عن اعتبار نفسك ضلعا أو ملحقا أو اكسسوارا لجهات أخرى ضمن سياسات “التقسيم الجديد”.ولكن، ولكي تقلعي عن أداء دور “شهرزاد” ينبغي لك بداية أن تصدقي أنك كائن كامل بذاته ، وأنك تستحقين الحياة من دون اضطرارك الى المساومة أو منح أي شيء في مقابل الحصول على حقوقك البديهية.
لا تصدقيهم حينما يتجاهلونك و يتحججون بأنك غير مؤهلة .
لا اريدك ان تحلمي … ولا اريد ان يحلم لك…أحدا.
لا أريد لكِ حلماً أنا أريد لكِ واقعا أريد لكِ حياة.. فحلمهم لا يأتي إلا ليلاً ليس ليل الهدوء إنما ليل السماسرة و الذئاب والتماسيح..
أنت تستحقين أكثر مما يعدونك به ..

تستحقين مركبا رياضيا كبيرا على أعلى المواصفات والمعايير العالمية على غرار ما تم إنجازه في مدن أخرى كثيرة أقل منك “قيمة وتاريخا”.

bgff

الاخبار العاجلة