الناظور وفقدان التألق الكروي: قراءة في عوامل الأزمة ومداخل الإصلاح

منذ 3 ساعات
الناظور وفقدان التألق الكروي: قراءة في عوامل الأزمة ومداخل الإصلاح

الناظور وفقدان التألق الكروي: قراءة في عوامل الأزمة ومداخل الإصلاح

بقلم جواد بودادح
تعيش كرة القدم بالناظور خلال السنوات الأخيرة حالة من التراجع الملحوظ، سواء على مستوى النتائج أو على مستوى بنية الأندية وتدبيرها، وهو وضع يثير أسئلة جوهرية حول الأسباب الحقيقية التي جعلت الإقليم، صاحب التاريخ الكروي العريق، يتراجع إلى صفوف الخلف، مقارنة بما كان يتمتع به من حضور وتنافسية خلال عقود مضت.
لا يتعلق الأمر بنتائج عابرة أو مواسم غير موفقة، بل بمسار طويل تكوّنت ملامحه تدريجياً، نتيجة تراكم اختلالات بنيوية تداخل فيها التدبير الإداري والمالي، ضعف التكوين، هشاشة البنية التحتية، وتراجع ارتباط الجمهور بالفِرق المحلية. ففي الوقت الذي تعرف فيه مدن أخرى دينامية متسارعة في تطوير منظومتها الرياضية، تظل كرة القدم بالناظور محاصرة بمنطق التسيير الموسمي الذي يفتقد لرؤية واضحة أو مشروع يمتد لسنوات.

أبرز الإشكالات التي تواجه الفرق المحلية تتمثل في غياب حكامة حقيقية داخل الأندية. فالتسيير غالباً ما يرتبط بالأشخاص وليس بالمؤسسات، ما يؤدي إلى تغيّر مستمر في القرارات والنهج المتبع كلما تغيّر المكتب المسير. هذا الارتباك يجعل أي مشروع رياضي غير قابل للاستمرار، ويؤثر بشكل مباشر على استقرار الأطر التقنية واللاعبين. كما أن ضعف الجانب المالي يشكّل أحد أهم العوائق، إذ تعتمد الأندية بشكل كبير على منح محدودة وغير منتظمة، في غياب استثمارات حقيقية أو مداخيل ذاتية تُمكّن من بناء فريق متماسك ومهيأ للمنافسة.
إلى جانب ذلك، يظل ضعف التكوين من أبرز نقاط الضعف. فالناظور التي أنجبت مواهب كثيرة في الماضي لا تتوفر اليوم على منظومة تكوين قوية، سواء على مستوى الفئات الصغرى أو على مستوى تأطير المدربين. الأمر يتجلى في غياب أكاديميات منظمة، ضعف برامج الانتقاء، وغياب رؤية تعتمد على صقل المواهب المحلية بشكل علمي ومستدام. وهذا النقص يحرم الأندية من قاعدةد لاعبين مؤهلين، ويجعل اعتمادها على الانتدابات العشوائية جزءاً من المشكلة بدل أن يكون جزءاً من الحل.
أما البنية التحتية، فهي بدورها تلعب دوراً كبيراً في هذا التراجع. فبالرغم من توفر المدينة على ملعب رسمي لكنه غير مؤهل، إلا أن غياب ملاعب مهيأة للتداريب، وضعف تجهيزات الإعداد البدني والعلاج، يجعل ظروف العمل بعيدة عن المعايير التي يتطلبها العمل الرياضي الحديث. إذ لا يمكن لأي نادٍ أن ينافس وهو يعمل ببنيات متواضعة تقيّد تطور اللاعبين وتزيد من مخاطر الإصابات.
ولا يمكن إغفال عامل أساسي آخر يتمثل في التراجع الواضح لعلاقة الجمهور بفرق مدينته. فقد أدى تكرار الخيبات وسوء التواصل إلى خلق فجوة بين المدرجات والأندية، بعدما كان الجمهور الناظوري تاريخياً أحد أهم عناصر القوة في أي مشروع كروي محلي. اليوم، تبحث الأندية عن طرق لإعادة الثقة، في وقت أصبح الجمهور أكثر مطالبة بالوضوح والالتزام قبل أن يعود للدعم.
إلى جانب كل هذه التحديات، تلعب السياقات المحلية وما يرتبط بها من صراعات جانبية دوراً في تعطيل مسار الأندية، سواء عبر تدخلات غير رياضية أو تسخير الرياضة لخدمة اعتبارات بعيدة عن منطق التطوير الرياضي. وهو ما يزيد من صعوبة بناء مشروع مستقل وشفاف قادر على الاستمرار.
ورغم هذه الصورة المركبة، فإن الناظور يمتلك كل مقومات العودة إلى الواجهة إذا ما توفرت إرادة جماعية لإعادة بناء منظومة كرة القدم برؤية واضحة واستراتيجية بعيدة المدى. ذلك يتطلب إصلاحاً إدارياً وتدبيرياً، هيكلة الفئات الصغرى، توفير بنيات تدريب ملائمة، والانفتاح على شراكات جديدة يمكن أن تمنح الأندية نفساً مالياً وتقنياً مستقراً.
إن عودة كرة القدم بالناظور إلى مسارها الطبيعي لا تتطلب معجزات، بل تحتاج إلى منهجية عمل تُعيد الثقة للجمهور، وتخلق بيئة ملائمة للاعبين، وتمنح الأندية القدرة على التخطيط بدل الاكتفاء بردود الفعل. وحدها المشاريع التي تُبنى على أساس مؤسساتي متين يمكن أن تعيد لهذا الإقليم حضوره الرياضي الذي افتقده، وتفتح الباب أمام جيل جديد من اللاعبين القادرين على حمل قميص مدينتهم بكل تنافسية واعتزاز.

الاخبار العاجلة