كرة القدم بالناظور والهواة.. فوضى التسيير بين إرث الأشخاص وصدى الرسالة الملكية

منذ 3 ساعات
Screenshot
Screenshot

كرة القدم بالناظور والهواة.. فوضى التسيير بين إرث الأشخاص وصدى الرسالة الملكية

بقلم – عماد الذهبي

لم يعد من الممكن فصل أزمة كرة القدم بالناظور عن ما تعيشه منظومة الهواة على المستوى الوطني. فالمشهد واحد، والخلل متشابه، والجذور ذاتها: تسيير موسمي، قرارات ارتجالية، ومسيرون يتعاملون مع الأندية وكأنها ملك خاص لا مسؤولية جماعية، في تعارض صريح مع ما دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله منذ رسالته التاريخية سنة 2008 حين نبه بوضوح إلى “الارتجال والارتزاق واستغلال الرياضة لأغراض شخصية”.

في الناظور، تماماً كما في الهواة، يتحول النادي أحياناً إلى فضاء ضيق تُحكمه نزوات أشخاص يخطئون فهم دورهم، فيتصرفون كمالكين لا كمسؤولين لخدمة إرادة المدينة وجمهورها. وحين يغيب مبدأ المؤسسة وتختفي الشفافية، تصبح القرارات رهينة مزاج فردي يحدد مصير اللاعبين، الأطر، الميزانيات، وحتى مستقبل الفريق برمته. والنتيجة منظومة متخبطة فقدت البوصلة وابتعدت عن روح المنافسة.

المخاوف التي عبّرت عنها الرسالة الملكية قبل أكثر من خمسة عشر عاماً ما تزال اليوم أكثر راهنية. فقد جاء فيها التأكيد على أن الرياضة قطاع تتصارع داخله مصالح ضيقة، وأن بعض المتطفلين يستغلونها للارتزاق، داعياً إلى حكامة رشيدة وتكوين حقيقي وبنية صلبة. وعلى الرغم من الاعتراف بهذه الأعطاب، بقي واقع الهواة والناظور في كثير من جوانبه أسيراً لمن وصفهم الخطاب الملكي بأنهم “ذوو المصالح الضيقة” الذين لا يهمهم مستقبل الرياضة بقدر ما يهمهم موقعهم داخلها.

ولعل أهم ما يظهر اليوم هو هذا التداخل بين الفوضى الإدارية وهيمنة الأشخاص على القرار الرياضي، سواء داخل الأندية أو في محيطها. فبدل أن تكون الجمعية العمومية صاحبة السلطة، نجد أن التسيير يتم في دائرة مغلقة، بينما تُترك المدينة وجمهورها على الهامش. هذا النموذج لا يبني مشروعاً، ولا يصنع استقراراً، ولا يُنتج أبطالاً، بل يُعيد إنتاج نفس الأعطاب التي تحدث عنها جلالة الملك منذ سنوات.

وحتى عندما ظهرت خطوات إيجابية مثل منع الصفحات العشوائية والمتطفلين وصفحات الأندية التي لا تحترم الحياد من نقل المباريات، فإن هذا القرار—على أهميته—لا يكفي وحده لإعادة النظام. فالمستوى المطلوب اليوم أكبر من إجراءات ظرفية، بل يتطلب إصلاحاً جذرياً يعيد الاعتبار للهواة ويُصلح نموذج التسيير الناظوري من جذوره.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، تبرز مجموعة من المقترحات العملية التي يمكن أن تُشكل أرضية لإصلاح حقيقي:

أولاً: تحويل الأندية إلى مؤسسات قائمة على القانون
اعتماد أنظمة أساسية واضحة، تنظيم انتخابي شفاف، ولجان مراقبة داخلية تمنع التسيير الفردي وتحاصر الارتجال.

ثانياً: القطع مع منطق الإرث الرياضي
النادي ليس ملكاً لشخص، بل ملك لجمهوره ومدينته. يجب الفصل بين الشخص والكيان، وإبعاد أي مسير يصر على التعامل مع الفريق كملكية شخصية.

ثالثاً: بناء منظومة تكوين حقيقية
مدارس كروية، أكاديميات، برامج للمدربين، رؤية للانتقاء. لا مواهب بدون تكوين، ولا أندية قوية بدون قاعدة بشرية مؤهلة.

رابعاً: تطوير البنية التحتية بشكل واقعي
الملعب، مراكز التدريب، الفضاءات الطبية: كلها أدوات ليست رفاهية بل شرط أساسي لنجاح أي مشروع كروي.

خامساً: إعادة الثقة للجمهور
التواصل المستمر، كشف الميزانيات، احترام مشاعر المدرجات، وإشراك الجماهير في القرارات الكبرى. الجمهور الناظوري كان وستظل قوته أكبر من أي مسير.

سادساً: الانفتاح على شراكات اقتصادية
المقاولات والقطاعات المنتجة قادرة على تمويل الفرق بشرط أن يكون المشروع محترماً وقابلاً للثقة.

إن الناظور والهواة اليوم أمام مفترق طرق. فإما الاستمرار في دورة الفوضى نفسها التي انتقدتها الرسالة الملكية وأضرت بصورة الرياضة، أو القطع مع الماضي وإرساء نموذج جديد يقوم على الشفافية، التكوين، المؤسسة، واحترام الجمهور.

الإصلاح ليس حلماً بعيداً، لكنه يحتاج شجاعة. يحتاج إلى مسير يعرف أن النادي ليس إرثاً يُورَّث، بل مسؤولية تُؤدى. ويحتاج إلى عودة الروح لإقليم لطالما أنجب المواهب وحمل مشعل كرة القدم بإصرار. هكذا فقط يمكن للناظور أن يستعيد مكانته، وتستعيد الهواة دورها كمدرسة لصناعة الأبطال، لا فضاءً للعبث والارتزاق.

صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره  الله ايضاً وجه السلطات والمسؤولين لانخراط في تطوير كرة القدم المغربية

في هذا السياق، يبرز الدور الحيوي لعامل صاحب الجلالة على إقليم الناظور، السيد جمال الشعراني، الذي أبان عن انخراطه الكامل في التوجيهات الملكية، من خلال مساهمته الفعلية في العمل على إخراج ملعب الناظور إلى الوجود. هذا المشروع ليس مجرد فضاء رياضي، بل يمثل خطوة أساسية لإعادة هيكلة كرة القدم المحلية، ودعم الأندية الهواة التي لطالما عانت من نقص البنيات التحتية وفوضى التسيير

الاخبار العاجلة