يُروىَ بأن برّشلونة جلبَ ذات يومٍ غُلاماً أرجنتينياً لديهِ علّة في قدميه ، فقد أدىَ اختلال الهرمونات في قدميهِ إلى إعاقةِ نموه بالشّكل الصّحيح، ولأن ريفربلايت لم يكُنْ يملك الصّبر والمَال لعلاجهِ. كان العرض البرّشلوني بالتّعاقدِ مع اللاعب، والتّكفل بمصاريفِ علاجه وكانَ الغُلام العليل يبلغُ من العُمر وقتها 11 عام ، ولم يكُن قد دخلَ مع البرّشا على الخطٍ في تلكَ الصّفقةٍ مُنافس يُذكر ظناً منهُم أنهُ ذو قُدرات ضعيفة، فتم تأهيله وعلاجه على نفقةِ البرّشا، ليأتي ذلكَ السّؤال
العابر من أحدهُم بأن قالَ: هل تعتقدون بأنكُم ستصنعون من هذا المريض لاعباً فذاً ؟
ولم يُجبْ وقتها أي مسؤول برّشلوني على ذلكَ الاستفسار، فليسَ المُهم لاعباً فذاً
بل المُهم أن يتولدَ لديهِ الإحساس بعالمِ الشّموليّة، وأن يرتبطَ بالفريق أولاً، وأن يؤدي فور شفائهٍ أداءً قائماً على حُرّيةِ التّأمل، وأن يكونَ – بإختصار – بعدَ عشرِ سنوات كفناً للخُصوم !أرادَ منهُ البرّشلونيون نجماً لا يُشبه إلاّ نفسه، أرادوه لاعباً ذو سماتٍ خاصة به، وأرادوه لاعباً لا يُنافسَ إلاّ نفسه، يملك كاريزما خاصة، لا يُقلّد أحداً، وَيتجاوز حُدود المَعقول، ويتسلّح بالتّواضع والأدبِ، ويكونَ عِطراً كروياً فاخراً، وأرادوه رواية تُقرأ عبرَ الأجيال، ذو خُصوصيّة مُختلفة وثقافة مُختلفة، وحُضور مُختلف، وأهداف مُختلفة، يُريدونَ منهُ أن يُربكَ ثقة العقل، ويُثير غضب المُهرطقين، وينتقم ممّن يتطاول على الكيان !
صُـنـعَ فـي بـَرشـلُـونَـة
ابتدأ المَشروعُ الضّخم، وفيهِ حُددت الأهداف، وَأهمها صِناعةِ نجم يَحملُ طارقَ الفرحِ، وتمّ انخراط الغُلام الأرجنتيني بتدريباتِ الأكاديميّة، وشيئاً فشيئاً .. تم تَدريبه وتقويمهِ ، فأخذَ ينغمسُ بالشّموليّة المُمتعة، فكان التّحول الرّهيب في جينات ليونيل ميسي بأن صار فيها شيئاً مما كان في روماريو وستيشكوف ورونالدو وريفالدو ، وبعدهُم روني، قبلهُم كُلّهم كرويف .
وصلَ سنِّ ميسي للخامسةٍ عشر، فكثرَ الحديث عَن موهبةٍ يُنتظرُ لها أن تبلغَ العنان ، موهبة أغلقَ عليها البرّشلونيون الأبواب، فكانوا عليها خائفين، ومن أعينٍ المُتابعين حذرين، واستمرت عملية صِناعة الهَدف القادم، واستمر العمل لأحياء ليالٍ مُستقبلية ستكونَ عامرة بالفرحِ، وستفتح ذراعيها للدّهشةٍ دونَ أن تدركَ سرِّ هذا الجُنون ، فبميسي ومن خلالهٍ سيقول البرّشا :” وَداعاً للمواسمِ البائسة ” .
وهُناكَ في الأكاديميّةِ حيثُ يتلقى ميسي التّعليمات التي تكونَ عوناً له في المُستقبل ، أستفسرَ أحد المُنشدين إليه من كبيرِ المُدربين فقالَ : هل ستقدمون نجماً خاصاً أم مُتخصصاً ؟ !فأجابَ المُدرب الكبير : كلا الحالتين تعنيان مع ميسي ، فنحنُ – والكلام لهُ – وجدنا بهِ سمات سَتجعلهُ يتمردُ على كُلّ من سينهش الجَسَد البرّشلوني ، وبتصميمهِ رأينا أنهُ سيُنسي مدينة برّشلونة مواسم الضّياع ، وبمهاراتهِ أكتشفنا أنهُ قد يُحاط مُستقبلاً في أي لقاء بمُدافعٍ وأثنين وحتّى خمسة وتأكدوا بأن كُلَّ ذلكَ لن يهُمَّ !
ويواصلُ المُدرب المذهول : إنهُ أقوى وأمهر من السّابقين ، سيخنق أنفاس مُشجعي الخُصوم ، سيتمنون إصابته ، أو زواله ، أو أي مُصطلح يؤدي لغيابهٍ عن الملاعب ، ليختم أستاذ الأكاديميّة بعبارةٍ أدخلت الذّهول لمن حولهِ وقال : إني أرى مُستقبله من موضعي هذا ، سيعلو ويعلو ويعلو ، ووقتها لن تجدوا إلاّ أن تمنحوا
حواجبكم الارتفاع دهشةً ممّا سيُقدمه ، والأيام حُبلى !
وابـتـَدأتْ الـحِـكـايـة
وصلَ عُمر ميسي للسّابعةِ عشر ، وأصبح قادراً على الانخراطِ مع الفَريق الأول ، وصارَ قادراً على مُمارسةٍ عِشقهٍ حَدَّ الثّمالة ، وقرر ريكارد تجربتهٍ ، وكانَ ألباسيتي هو الهدف ، فأظهرَ ميسي سحراً أثارَ الدّهشة وَمعها ابتسامة لم يُدركها أحد ، وفي لحظةِ حَسم .. أستقبلَ ميسي الكُرة ، فأرسلها لروني، وعَلى طريقةٍ
الـ ( الوان- تو ) أعادَها سَاحر ذلكَ الزّمان للأرجنتيني الصّغير، وبالفطرةٍ تأخر ميسي خُطوة، ورُبما اثنتين حتّى لا يقعْ في مصيدةِ التّسلل في موقفِ أدخلَ الشّك في قلوبِ المُتابعينَ حولَ عُمر هذاالفتى البَاهر وأن نُضجه الكُروي يسبق الكثيرين ممّن سبقوه في هذا المَجال ، ولم ينتهي المَشهد بعد ، ليواجه ميسي الحارس ويركنها من فوقه بحرفنة ودقةٍ شديدتين ، لتكتبَ الصّحافة العالميّة بأن نجماً يلوحُ بالأفق
ولا أحد قادر على احتواء إعجازه !
بَدا الصّغيرُ يُثبتَ أقدامه ، أتضح بأن الأمورَ معهُ ستُصبح كوارثيّة ، ومَعهُ باتْ الحَلا سُكر زيادة ، وتأكدَ بأن طُقوسَ الحُزن ستُفارقنا حيناً من الدّهرِ ، وَبدأ الحُزن يُرتب أشيائه للرّحيل ، وأمامَ تشيلسي الرّهيب عام 2006 م عبث ميسي بالإنجليز في السّتانفورد بريدج ، ومن خلالهٍ شقّ البرّشا طريقه لإحراز دوري الأبطال ، وأمّا الضّحية دل هورنو فقد رحلَ مَطروداً دُونَ رجعة لقسوتهِ على ميسي ليأتي مورينهو الذي أرهق ميسي أعصابه ويتهم ميسي بـ ” المُمثل ” ، إلاّ أن ميسي كانَ للواقع
أقرب ، واقعُ أصاب من خلالهٍ ميسي مورينهو بكافةِ أنواع الأمراض المُزمنة ، في ليلةِ تمرّدَ فيها ميسي على المُستحيل ، وقدمَ فيها لمورينهو الفشل كمشهدٍ للنّهاية !
وبعدَ ليلةٍ مورينهو الفاشلة تلكَ ، أدركَ الجَميع بأن ثُمّة سرّ يدس أنفهُ بين البرّشا والإبداع ، أدركوا بأن القادمَ سيكون أصْعب ، علموا بأن من يُهين رفاق مورينهو في معقلهم وأمامَ الملأ سيكونَ أكسجين الكُرة القادم ، وتوقعوا بأنهُ سيكون الفعلَ وردته ، هُو الحَقيقة ، وَتيقنَ الجميع بأنهُ سيكون له ضجيج بالكبرياء ، ووقفات خالدة !
وَ توالت المَشاهدَ بعدَ ذلكَ وكأنها خُدع سينمائيّة ، فها هو ميسي يُمارسَ مع دفاع خيتافي حَركة المَدّ والجزر، حتّى إذ واجه حَارسَ المَرمى داعبهُ بحركةِ الاتجاهات المُتعاكِسة فوضعَ الكُرة في المرمى الخالي في مشهدٍ أعادَ الشّموخ للكُرةِ ، وأكدّ بأن زمن الحُب قادراً على الإنتاج ، ومع ذلك الاختراق لميسي كانت الأحلام ، والطّموحات ، والأماني ، في ليلةٍ أدمت القلوب بالحنين ، شكراً ميسي فقد زيّنتَ عُشب الملاعب بسحرِ حُضورك ، وكُنتَ فارق كُل مساءِ سيتلي ذلكَ المساء !
جَـزاءُ الـتـَألـقْ
رحلَ طيّب الذّكر ريكارد ، وَحلّ مَكانهُ ” جارديولا ” في مُغامرةِ حُسبت لصَالح لابورتا ، وكانت قرارات المُدرب الجَديد وَاضحة ، فأعلنها أمامَ الملأ بأنهُ ليسَ بحاجة لـ ” روني ، ديكو ” ، وأكدّ بأن كلمة السّر هي ” ميسي “في خُطوةِ أثارتْ استغراب الشّارع البرّشلوني عَبرَ العَالم ، فكيفَ يكون الصّغير ميسي قادراً على قيادةِ فريق برّشلونة وإعادتهِ للواجهة .
كانَ جارديولا يعتمد على طريقةِ تقوم عَلى : تَنظيمُ دِفاعي رَائع لم نَشهدْ مَثيله ، وَوسط ميداني رَهيب قادر على الاحتفاظِ بالكُرةِ وإعادتها حَال فُقدانها ، وهُجوم نَاري اعتمد على ميسي وإيتو وهنري ، وابتدأ المُشوار ، كانَ زافي يُمثلُ شريان الفَريق ، وأما ميسي فهو العُنصر الذي تتحطم على أقدامهِ دفاعاتِ الخُصوم ، وَنواياه كانتْ واضحة ، إشباع الجَماهير البرّشلونيّة بالذّهبِ حَدّ التّخمة ، وارتَفعت أسهم ميسي وصارَ اسمه عَلى كُلّ لِسان ، وأصبحتْ الأحلام على مَوعدِ مع تَابوت برّشلوني ، وعَندما تكونَ الكُرة بينَ قدميهِ فلا يعني شيئاً أن يكونَ خصمهُ أكثرَ منهُ عدداً ، فتباً لحكايا الخوف إنهُ ميسي يَا أحبتي ، ألم أروي لكُم فعلتهُ بخيتافي ، وألم تُشاهدونَ اختراقه لدفاعِ مُنتخب فرنسا ، فهو مَن قدّمِ نظرية يكبرُ الكبارُ
حينَ يشاؤونَ ، ولا يعنيهم كثرة هذا ، وعَدد ذاك .
هَكذا فقط صَارَ ميسي حَاكماً لهذا الزّمان ، وهكذا أرادَ أن يكونَ رُمح الانتقام لمن قطّع أحلام البرّشلونيين في الزّمن الماضي ، وهكذا أنتقمَ من المان في ليلةٍ روما بَعدَ أن فعلوها سَابقاً بغلطةِ زامبروتا ، في ليلةٍ غلّفها جَارديولا بالذّهب ، وَتلتها ليالٍ تسربلت بالذّهب ، وودعنا أيام ولّت بِلا لون ، وأضحى زماننا حافلاً باحتفالاتٍ بهيّةِ ، بميسي وَحده ، فَهو من صعدِ عَالياً ، وَتلحفََ بالنّجومَِ ، نثرَ الوردَ من القمةِ ، وَتبقى أحاديثهُم ، وَتهكماتهُم ، وأبطالهُم مُجرد أرقام في حَضرةِ الرّقم الصّعب ميسي ، وَالقاعدة وَاضحة :كُرة قدم وميسي ، تعني مُتعة وإعجاز .. وَأنتم عَلى الأرضِ شُهود !
أخبروني عَمّن يُقدم هدايا الفَن كما يُقدمها ميسي ، ومن يُغلّف الكُرةِ بالبهجةِ كمَا يفعلها ميسي ، ومن يمنحُ الأماكنَ وَهجَ السّحر كمَا يمنحها ميسي ، وَمن يكتُب المُعلّقاتٍ في الشّباك غَير ميسي ، ومن يرسُم القلبَ في قلبِ الكُرة سُوى ميسي ، فوحدهُ ميسي من يُجيدَ تقليم المُدافعين ، ووحدهُ ميسي مَن يُقدم الحَقيقة الكرويّة مِن غيرِ رُتوش ، مَن أرادَ أن يكونَ خَصماً لميسي ليَعلم بأنهُ تجاوزَ الخُطوط الحَمراء ، فالأرض لا تتسعْ إلاّ لأقدام ميسي ، فمِن وَحي المُتعة يصنعُ ميسي سكرة الجُنون ، ميسي مَعنيّ بالمُتعة ، وَيصنعُ فَارقُ الانتصار وَعلى طَريقةِ الجَبابرة وَالعُظماء ، مِيسي يا أحبتي خَارج حُدود المَألوف ، خَارج نِطاق العَقل البشري ، فهو مَن أهدى الكُرة النّبض ، وبرّشلونة أكملَ الحَياة .
جمعَ سِحر التّانغو ، وَجُنون البرّشا ، ماهو إلاّ سَيّد الكُرة والسّحر ، ولا تملك الكُرة إلاّ سَيداً وَاحداً حينَ يحضر يسقطُ الكُل ، والجاذبيّة تتسمّر هُناكَ في كُلِّ رَكضة إمتاع منه ، أكدها فور بزوغه أن حُضوره يعني استمراره العَقباتُ كانتْ كثيرة .. خُصوم مُتربصين ، وَخُشونة مُدافعين ، وآمالُ مُتابعين ، تهاوى الكُلّ وبقي ميسي
يُغردُ والبرّشا خَارج السّرب ، في كُلّ عقبة يُثبت بأنهُ أقوى من السّابق ، ويكشف عن وجه آخر أكثر رُعباً وهو رُعب بَعيد عَن رعبِ الشّاشات السينمائيّة ، بَل رُعباً معني بالمُتعة ، ميسي يا أحبتي هُو رواية الأمس واليوم ، والغد ، وكتبَ أسمه كشخصيّةِ تاريخيّة مرموقة وَعبرَ ستة بُطولات في موسمِ كانَ نجمه الأول وبلا
مُنازع بعدَ أن صنعَ الضّجيج ، وأحدث الإنقلاب البرّشلوني الرّهيب !
مَـشَـاهـد مَـغْـمُـوسَـة بـالـدّهـشـةِ
بينَما كانَ برّشلونة يَتقدمُ عَلى الرّيال بهدف إيتو في الموسمِ الماضي في دَقائقٍ المُباراةِ الأخيرة ، أتت تلكَ التّمريرة السّريعة مِن كيتا إلى هنري الذي تقدم بها ، ليُرسلها زَاحفة إلى القادمِ بسُرعة كَبيرة ميسي ، وَبينما كانت الكُرة في طَريقها إلى ميسي ، قَررّ كاسياس الخُروج مِن مَرماهِ لتضييقٍ المَساحَاتِ عَلى الأعجوبة
وَعندها كانَ كنافارو يركض بسرعة كبيرة لتغطيةِ المَرمى الذي تَركهُ كاسياس ليكونَ مُسْتعداً لإنقاذ المَرمى مِن كُرةِ ميسي إن تخطتْ كاسياس .
وَإلى هَذا الحَدِّ كانتْ الأمور تسيرُ عَلى مَا يُرام للمدريديين ، وَفورَ وُصول الكُرة لِميسي أستقبلها بيُسراه وَتأنى قليلاً وَأخذَ بَعض الخُطواتِ للأمام ، أرادَ بذلكَ التّصرف زِيادة تقدم كاسياس عَن مَرماه ، فَوقعََ كاسياس في الفخ ليُرسلها السّاحر الأرجنتيني لا أرضيّة ، ولا قويّة ، بَل كانَ الخيار عَلى أن يَجعلها لولبيّة وَمَن فوقِ كتفِ كاسياس الأيسر ، فعلها بعد أن جعل دوران الكُرة بإتجاه المَرمى مُوازيا لحَركةِ كنافارو بإتجاه المرمى فجميعهُما يتحركان بالطّريقةِ نَفسها ، كنافارو للمَرمى ، وَالكُرة تدور في طريقها للمَرمى بنفسِ الشّكل .
وَلمْ ينتهي المَشهد بَعد ، وَالغريب أن كُرةَ ميسي تلكَ أختار لهَا كذلكَ أن تكونَ فِي الزّاويةٍ القريبة جداً من القائمِ الأول ممّا زادَ صُعوبة كنافارو لتخليصها ، وهُنا صَار لدى المُنقذ كنافارو خيارين : فإما أن يُخاطرَ بنفسهِ ويُنقذَ الكُرة ويرتطمَ بالقائمِ وَيتعرض لإصابة ، أو أن يتركَ الكُرة لصعوبةِ واستحالة إنقاذها وَتفادياً للإصابةِ، فكَانَ القرار الأول هُو أختيار المُدافع الكبير ، وبالضّبط تدخلَ كنافارو إلاّ أن كُرة ميسي كانت أكثرَ صُعوبة ممّا كان يتوقعهُ كنافاور ، فكان التّحول الرّهيب في الموقفِ بأن اصْطدمت الكُرة بقدمِ كنافارو فَاتجهت للمَرمى ، ليتجه كنافارو بدورهِ للقائم ويصطَدم بهِ في مشهدٍ أكتملت من خِلالهِ صورة أرادَ لها ميسي بأن تُختتم بتلكَ الصّورة !
مَرّة أخرى رَسمَ لنا مِيسي صُورة بَهيّة ، فأمامَ استديانتوس في نهائي كأس العَالم للأندية كانَ التّعادل هُو سيّد الموقفِ حتّى الدّقيقة التّاسعة بعدَ المائة ، ووقتها كانَ يوسف سيف يتحدث عن مُعاناةٍ يواجهها البرّشا ، ليأتي ميسي من خلف الجميع ويحسم اللّقاء بلمسةٍ صدر فأنها بتلكَ اللّمسة كُل حَديث عَن المُعاناة والمُعانين .
ابتدأ الحَدث في اللّحظةِ التي وَصلت بَها الكُرة إلى قدمِ دَاني ألفيس، وفي تلكَ الأثناء كانَ ميسي في طريقهِ إلى منطقةِ الجَزاء لإستقبال الكُرة ، أرادَ الفيس إرسالها إلى دَاخلِ الصّندوق ، وذهبت كذلك عالية وقويّة ، وهُناكَ كانَ ميسي قَد شقّ طَريقه لإستقبالها دُونَ مُراقبة أحد ، أصبحَ المَوقف الآن عبارة عَن مَواجهةِ مُباشرة بينَ ميسي وَحارس مَرمى الفَريق الْخصم ، وَهُنا كانَ الواقع يَقول بأنَ ميسي سَيركنها برأسهِ كهَدف يَقودُ من خلالهِ فَريقه لتحقيق البَطولة السّادسة ، أو أن يَفعلها بقدمهِ وَعلى طريقةٍ فان باستن كخِيارِ آخر .
آن للكُرةٍ أن تكونَ بينَ جوارح ميسي ، وَعلى غيرِ العادةِ وفي سيناريو لم يتوقعهُ أحد ، أخذَ ميسي الكُرة بصدرهٍ ، ولم يكُن يُريد بذلكَ الاحتضان ترويض الكُرة ، بل أرادَ لها أن تتكئ كمرحلةِ أولى ليلجأ بعدَ ذلكَ إلى إرسالها كمَرحلةِ تالية إلى المَرمى فأكسَبَ المَوقف تصويراً أختزنَ مِنْ خلالهٍ لَوناً جَديداً للتّسجيل ، ومُبتعداً في الوقتِ نَفسه عَن الفكرِ السّائد في التّصرفِ في مثلِ تلكَ المَواقف كالقدمين أوْ الرّأس ، ليُغلّف اللّقطة بنعومةِ ، وَليونة خافَ مِن خلالها ميسي على الكُرة ، فليسَ المُهم أن تكونَ قوياً في تعاملكَ مع الكُرة ، بل الأهم أن تستثمرَ المَوقف بالشّكل الذي يجعلك تُضفي من خلالهِ بعُنصر الابتكار للمُتابعِ ، وَالمُشاهد ، وَلم يفعلْ ميسي مَا فعلهُ إلاّ لكونه يملك إيقاعاً خاصاً به ، يؤهله للتعاملِ الأمثل مع المواقف المُختلفة بفطرتهِ وَسجيّته عن جريدة النخبة .. !