منذ أن أعلن على أن المغرب يحتل المرتبة ما قبل الأخيرة عالميا في قطاع التعليم، ارتفعت الأصوات عالية، تنادي بضرورة إصلاح المنظومة التربوية، وذلك عن طريق وضع مخطط استعجالي لمواجهة الأزمة، فبدأت الجهات الوصية على القطاع بإصدار العديد من المذكرات المحملة بالكم الهائل من المفاهيم والمصطلحات والمقولات والقرارات والشعارات:( جميعا من أجل مدرسة النجاح، مشروع جيل مدرسة النجاح، مشروع المؤسسة، الزمن المدرسي، مبادرة المليون محفظة، الحياة المدرسية،
اللباس المدرسي الموحد، الاحتفال بعيد المدرسة ، الاحتفال بيوم المدرس وباليوم الوطني لآباء وأمهات التلاميذ إلى غير ذلك من القرارات والمذكرات التنظيمية والدلائل التربوية التوجيهية) الهدف منها أولا وقبل كل شيء هو محاربة ظاهرة الهدر المدرسي التي أصبحت تؤرق المسؤولين على الصعيدين المحلي والوطني، وساهمت في تفشي الأمية والجهل…. لكن وفي مقابل هذه المجهودات المبذولة من طرف الوزارة الوصية على القطاع، برزت ظاهرة أخرى تعمل في الإتجاه المعاكس، ألا وهي إقدام العديد من الآباء -الغيورين على شرفهم- على فصل بناتهم المتفوقات على الدراسة ومنعهن من متابعة دروسهن، لا لشيء سوى للمشاهد الغريبة التي أصبحت تعرفها أبواب مؤسساتنا التعليمية، خاصة أمام الثانويات التأهيليات والثانويات الإعداديات، ناهيك عن تفاقم هذه المشاهد أمام أبواب الكليات، حيث ألفت مجموعة من الشباب وحتى الذين اشتعلت رؤوسهم شيبا، على الوقوف بالمقربة من مداخل ومخارج هده المؤسسات التعليمية بدون استحياء، يعمد المتربصون منهم إلى إغراء هؤلاء الساذجات عن طريق جلب أفخر السيارات، وكدا الدراجات النارية من الحجم الكبير والمتوسط ذات الدفع العالي
، يستغلون سذاجتهن وبرائتهن وكدا المراهقة التي يعشنها كنتيجة حتمية للتحولات الجسمانية والنفسية التي يمرن منها في تلك الفترة الحساسة من عمرهن، فيعمدون إلى استدراجهن إلى عالم الرذيلة والبغاء بعد أن يغرونهن بالمال والعطايا ويعدونهن بتحقيق كل أحلامهن الوردية. فحين تقتحم ظاهرة التحرش الجنسي مؤسساتنا التعليمية التي هي كفضاء تربوي يفترض فيه تهذيب الأخلاق، والنهوض بالقيم الإنسانية،عن طريق التلميحات والتعليقات والنكت ذات الإيحاءات الجنسية، والنظرات الجنسوية المركبة والتحديق بشكل يسبب الإزعاج، والمطاردة في الشارع، والمعاكسات باستعمال الهاتف النقال والأنترنت وغيرها، نصبح هنا أمام أحد أوجه الانحراف الذي يستهدف المرأة بالأساس ويجعل المؤسسة التعليمية فضاء سائبا.
فإذا كانت فعاليات المجتمع المدني غائبة أو مغيبة في ما يخص تعاطيها وتعاملها مع هذه الظاهرة كسلوك يومي في الشارع كما في المؤسسات الإدارية و التعليمية، فإن إشكالية فضح هذه الممارسات تبقى مطروحة أمام السكوت عنها أو عدم وجود نص قانوني يجرم الفعل، فظاهرة التحرش الجنسي، في أي وسط كانت، مازالت تحاط بالتكتم والسرية، لأسباب ترجع إلى المتحرش بها التي غالبا ما تخشى الفضيحة، أو إلى سلطة المتحرش، حيث تزداد خطورتها وعواقبها على تلميذات من المفروض أن يتلقين العلم والدراسة، بدل الخضوع لممارسات مستفزة تحط من كرامتهن وتزيد من إهانتهن.