كرة القدم : صراع المال والسياسة‏

1 مارس 2011
كرة القدم : صراع المال والسياسة‏

تعلمنا ونحن صغار في المدرسة أن العلم نور والجهل عار واكتشفنا مع مرور السنين,أن الأمم والشعوب تقاس درجات تقدمها بالعلم والتعلم وبمدى قدرة الأفراد فيها على العطاء والمساهمة في الإزدهار الحضاري.

ومع مرور مزيد من الوقت ظهر إلى الوجود مقولة عجيبة,ربما ليست معروفة لدى كل الناس لكن الأمر اليقين أنها متداولة بين عدد كبير منهم,فلعلنا نحن أيضا سمعنا بالشعار القائل أن كرة القدم نور الأمم,فسبحان الله أصبحت الكرة تزاحم العلم في تنوير الأمم والشعوب,حتى أصبح اللاعب أكثر شهرة من العالم.

فيا ترى ما السر في هذا؟وما السر في تسميتها بهبل القرن العشرين؟وما علاقة كرة القدم بعالم المال والسياسة؟

نبذة عن البدايات الأولى لظهور لعبة كرة القدم:

يقول المؤرخ الرياضي ” جرومباخ ” أن هناك وثائق تثبت أن قدماء المصريين والبابليين ، مارسوا كرة القدم كلعبة رياضية . ويقول المؤرخ البيزنطي ” هيرودوت ” الذي زار مصر عام 460 قبل الميلاد أنه وجد المصريين يعلبون بكرة مصنوعة من جلد الماعز أومن القش ، يركلونها بالقدم ، حتى إذا دفعها فريق إلى خط بعرض ساحة الملعب احتسبت هدفاً !! ويقول ” هوميروس ” في ملحمته الأوديسا : أن الإغريق لعبوا كرة القدم وكان اسمها ” هارباستون ” وأنها كانت ضمن برامج اللياقة البدنية لجنود إسبرطة . ويقول الفيلسوف المصري القديم ” يوليوس بولوكوس ” في القرن الثاني بعد الميلاد أن كرة القدم انتقلت من اليونان إلى الرومان ، وصورها في كتاباته بما يقرب من صورتها الحالية . ويقول فلاسفة ومؤرخون آخرون أن الصينيين عرفوا كرة القدم من قديم الزمان .

أما الكرة الحقيقة فنشأت في دربي بانجلترا عام 218 م حيث لعبها أهل المدينة احتفالاً بفوزهم على كتيبة رومانية غازية ويستند المؤرخون الحاليون في ذلك على ما ذكره المؤرخان ” جلوفر ” و ” فيتزستيفين ” واستقرت اللعبة في الجزر البريطانية التي يعزلها مضيق المانش عن أوروبا.

إن كرة القدم رياضة كباقي الرياضات المعروفة,هذا في الظاهر أما في الباطن فهي لم تعد مجرد رياضة أو لعبة يمارسها لاعبون محدود عددهم في مكان خاصلهذا الغرض,الأمر لم يعد هكذا بل تم تجاوز هذا المعنى بكثير ,لأن هناك لاعبون أخرون فيالكواليس يخططون وينفذون ويستغلون اللعبة لأهداف كبيرة تجاوزت التنافس الشريف والروح الرياضية,الشئ الذيؤاعتبر بمثابة حرب باردة جديدة وهو الرأيرالذي ذهب إليه غاستون فيدال وهو مدير مركزالدراسات الفيزيولوجية الفرنسي حيث قال أن الرياضة-كرة القدم-أصبحت خدمة للأمة.

لقد أصاب من سمى كرة القدم بهبل القرن العشرين وكلنا نعرف من هو هبل؟إنه صنم كان يعبد من دون الله,هذا التشبيه يجعلنا نقول أن الشعوب في فترة الوعي  أو اللاوعي أصبحت تعامل هذه اللعبة معاملة دين جديد,فقطعة الجلد المستديرة استطاعت أن تأسر عقول وقلوب الملايير من البشر فحولتهم إلى عبيد عقليتهم كعقلية القطيع فكان أن سميت بالساحرة  المستديرة.

كرة القدم بشكلها الحالي ,هي حسبرالمختصين عالم تتقاطع فيه السياسة والمال والأفكار بل وحتى الطموحات  الكبرى,فموسوليني دفعته هذه اللعبة  إلى أن يقول أن فوز بلاده بكأس العالم سنة 1934 هو انتصار على العالم.

إنها كرة القدم الحديثة  حيث الرياضة سياسة والسياسة تجارة وبهكذا منطق أصبحة من الطبيعي أن نشاهد الملوك ورؤساء الدول يزاحمون الجمهور  في المدرجات لمشاهدة مباراة ,خصوصا في المواجهات الحساسة كالمونديال تحديدا,فقبل انطلاق المنافسات الرسمية لكأس العالم في جنوب افريقبا كان قد سبق ذلك حربا إعلامية بين عدة دول,كالذي وقع بين ألمانيا وانجلترا,حيث انتقدت الصحافة الإنجليزية المنتخب الألماني بسبب قميصه الأسود فكان أن ردت الصحافة الألمانية,لكن بعد المباراة التي انتصرت فيها ألمانيا وقالت أن ألمانيا صفت حسابها مع الإنجليز.

بعيدا عن المونديال الأخير وبعيدا عن تداعياته الإقتصادية والسياسية وعودة إلى علاقة السياسة بكرة القدم,فالدكتور باسكال بونيفاس في كتابه كرة القدم والعولمة قال أن للدولة عادة ثلاثة أركان أساسية وهي الأرض ,السكان والحكومة,لكن ركنا رابعا أضيف إلى هذه الأركان وهو امتلاك منتخب وطني قومي قوي,والسبب هو أن المنتخب الوطني يمكن رؤيته بين الأمم وتعريف البلد بواسطته وكان أن كل دولة تحصل على استقلالها تنظم إلى الأمم المتحدة ثم إلى الفيفا وكأن هذه الأخيرة حلت محل هيئة الأمم ,فأصبح لدينا منظمتين دوليتين :الأمم المتحدة والفيفا.

كما سلف الذكر فكرة القدم بشكلها الحالي ,خليط من الرياضة والسياسة والإقتصاد ومن عجائب الأمور أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب اقترخ تعديلات على كرة القدم من قبيل طلب المدربين لوقت مستقطع كما في كرة السلة,وتوقيف المقابلة ليتسنى للاعب ما الذهاب إلى الحمام  وكأن الولايات المتحدة بهذه الإقتراحات  تريد السيطرة على اللعبة  بتعديلات تافهة  بعدما عجز منتخبها  إثبات  ذاته كمنتخب قوي.

كرة القدم حسب المختصين فرصة للشعوب كي تنتقم لكرامتها بالأهداف والهتاف والأمثلة على هذا عديدة ومتعددة أين يثبت  اختلاط الرياضي بالسياسي ,فعلى سبيل  المثال لا  الحصر عندما لعب  فريق الرجاء  البيضاوي المغربي ضد ريال مدريد الإسباني  وكان على وشك الفوز بكى الكثير من الإسبان وقال مذيع الإذاعة الإسبانية أن إسبانيون اتصلوا وهم يبكون عبر الهاتف وقالوا كيف يسمح ريال مدريد لفريق مغربي أن يمرغ كرامة الإسبان في التراب.

في مباراة ودية  بين انجلترا وإسبانيا في مدريد هتف الجمهور جبل طارق لإسبانيا فتوترت الأعصاب ودافع الإنجليز عن إنجليزية الجبل والإسبان عن إسبانيته إلا أن المقابلة انتهت بالتعادل .

في مباريات أجاكس أمستردام وأيندهوفن يرفع جمهور أجاكس شعارات تساند الكيان الصهيوني فيما أنصار أيندهوفن يرفعون أعلم  فلسطين وشعارات تساند حماس ,هذا غيض من فيض وقبل الختام دعونا نستعرض بعض الأرقام التي تتحدث عن كرة القدم في العالم :

عدد اللاعبين المسجلين في العالم 265 مليون لاعب,عدد الحكام  و الذين يديرون  خمسة ملايين ,وعدد الأندية في العالم 301  ألف من النوادي,عدد الدول المنظمة إلى الفيفا 208 دولة,وأكثر من 15 بالمائة من سكان العالم شاهدوا النسختين الأخيرتين من كأس العالم,ويبلغ حجم الإنفاق السنوي على كرة القدم ما يقرب 250 مليار دولار,إن حجم هذه الأرقام يحدد أهمية هذه اللعبة وأبعادها السياسية والإقتصادية.

امحمــذ أشلحــي

الاخبار العاجلة