من تلميذة متفوقة تحلم بمستقبل واعد… إلى شابة كسيحة على كرسي متحرك… مصير لم يكن أحد من أسرة نهيلة ذات الـ17 ربيعا، أو زملائها وأساتذتها يتوقعون أن
تتسبب فيه شجرة سقطت عليها أمام مؤسستها التعليمية لتصيبها بشلل يبقى الأمل في علاجه معلقا على عملية جراحية جد معقدة.
نهيلة أصبحت الآن رهينة جلسات الترويض، والكرسي المتحرك، وظهر والدتها التي تضطر لحملها وصعود الأدارج للوصول إلى غرفتها.
واقع جديد لم تكن تتصوره في يوم من الأيام، لكن رغم ذلك فإن هذه التلميذة بسلك الباكلوريا جعلت من مواصلة مشوارها الدراسي تحديا أساسيا، مدفوعة بالمعدلات المرتفعة التي حصلت عليها، والتي وصلت إلى 17/20 ، نهيلة قالت «إنها راضية بمشيئة الله»، وهو ما تعكسه ابتسامتها الدائمة التي تشعل بها شمعة الأمل عوض أن تستسلم لليأس وتلعن الظلام الذي زحف على حياتها بعد الحادث.
«المساء» زارت نهيلة بحي الرحمة الشعبي بمدينة سلا، منزل متواضع يخيم عليه حزن تطرده نهيلة على الدوام بابتسامتها في محاولة لمواجهة الحزن الذي يفيض من عيون الأم والأب، هناك وجدنا نهيلة على كرسيها المتحرك بغرفة صغيرة حرصت عل ترتيبها جيدا قبل أن تخلد للراحة على كرسيها وبالقرب منها مصحفها، وعلب الأدوية التي أصبحت ملزمة بتناولها بشكل يومي رغم كلفتها المالية المرتفعة.
تسترجع نهيلة تفاصيل ما وقع يوم الجمعة 30 نونبر 2012، وتقول «غادرت المؤسسة حيث أتابع دراستي رفقة أربعة من زملائي في القسم، لم أسمع ولم أشاهد أي شيء ولم أدرك حتى أن شجرة سقطت علي بعد أن فقدت الوعي»، دورية الأمن كانت أول من وصل إلى مكان الحادث، حيث تكلفت عناصرها بإزالة ورفع أغصان الشجرة من على جسد نهيلة التي أصيب بغيبوبة، قبل أن تصل سيارة إسعاف تكفلت بنقلها أمام ذهول زملائها في الثانوية الذين نجوا بأعجوبة إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي لسلا، والذي وقف عاجزا عن التدخل أمام خطورة الإصابة، ليكون الحل هو نقلها إلى مستعجلات المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا حيث قضت 11 ساعة بقسم الإنعاش.
هناك مرت الدقائق بطيئة للغاية قبل أن يخرج الأطباء بنتيجة صادمة بعد أن أثبت الفحص بالسكانير وجود كسور في فقرات العمود الفقري، ليبلغوا الأب المصدوم بأنه يتعين إجراء عملية جراحية، لكن خارج المستشفى لعدم توفر الإمكانيات به، ليكون الحل هو اللجوء إلى مصحة خاصة طلبت مبلغا باهظا يقدر بحوالي 27 ألف درهم من أجل زرع صفائح حديدية لتثبيت الفقرات في مكانها، لكن العملية بدورها لم تمنع من حدوث الكارثة، وهي شلل في الأطراف السفلية لنهيلة التي لم تكن تدرك أن شجرة أهملت لتبلغ سبعة أمتار سترخي بثقل أحد فروعها على جسدها في غفلة من الجميع.
يقول الأب الذي يشتغل في سلك التعليم «لقد اهتموا بالشجرة وأهملوا نهيلة»، قبل أن يصمت قليلا وكأنه يبتلع مرارة وعود قدمت له من طرف منتخبي المدينة قبل أن يتنكر الجميع لوعودهم، ليواصل حديثه قائلا: «يحز في النفس أن الشجرة التي تسببت في شلل نهيلة لقيت الاهتمام بعد أن قاموا مباشرة بعد الحادث بقطعها من جذورها وإخفائها في مكان مجهول، أما نهيلة فتركت لتواجه مصيرها لوحدها». بعد الحادث أدلى العمدة نور الدين الأزرق بتصريحات لإحدى الإذاعات الخاصة اعترف فيها بمسؤولية البلدية عما وقع، وأكد أن هذه الأخيرة مستعدة للتعويض وفق التأمين دون الحاجة للجوء إلى القضاء الذي سيأخذ وقتا طويلا بحكم وجود ملياري سنتيم مخصصة للتأمين، وصرح أيضا بأنه سيقوم بزيارتها شخصيا وهو ما خلق فسحة من الأمل لدى نهيلة ووالديها وشقيقتها بعد أن استنزفت الأدوية ورحلة العلاج كل مدخراتهم المالية، علما أن علبة واحدة من الدواء تكفي ليومين فقط، تكلف 200 درهم .
انتظرت الأسرة هذه الزيارة طويلا لكنها لم تحدث، ليذهب الأب إلى مكتب العمدة الأزرق غير أنه سيحال على أحد موظفي الجماعة الذي اختصر الوقت والكلام، ورمى في وجهه بجملة صادمة بعد أن قال «نحن مع نهيلة… لكن خصك تدعينا يلا بغيتي التعويض».
صدمة الأب ستتضاعف بعد ذلك بعد أن رفضت إدارة الكنوبس تعويضه عن الملف الطبي الذي تقدم به بعد العملية التي أجريت لنهيلة، ليكون الحل أمامه من أجل متابعة علاجها هو الغرق في مستنقع الديون، خاصة بعد أن أخبره الأطباء بأنها ملزمة بالخضوع إلى حصص ترويض دائم، وسرير وكرسي متحرك خاصين يكلفان حوالي10 آلاف درهم، قبل أن يخطروا الأسرة بتجنب الحركة دون كرسي، لأن من شأن ذلك أن يزحزح الصفائح الحديدية من مكانها، وهو ما فرض على الأسرة اللجوء من جديد للسلف من إحدى مؤسسات القروض، لتخصيص مسكن بطابق سفلي لإيواء نهيلة التي أصبحت ملزمة بالصعود إلى شقة العائلة فوق ظهر أمها.
تقول نهيلة: «أنا مؤمنة بالقضاء والقدر ولا اعتراض على مشيئة الله، لكن ما يحزنني هو أن يتلاعب مسؤولو المدينة بمشاعر الأسرة بتقديم وعود تخلوا عنها،» قبل أن تضيف والابتسامة لا تفارق محياها: أنا مصرة على إتمام دراستي مهما كلفني الأمر لأن عكس ذلك سيزيد من تحطيم معنوياتي» وقد «تلقيت تطمينات من إدارة المؤسسة بأنها ستقدم لي تسهيلات من أجل ذلك من خلال نقل فصلي إلى طابق سفلي حتى أتمكن من ولوجه بالكرسي المتحرك».
نهيلة وجدت العزاء فقط في الزيارات التي يحرص عليها بانتظام زملاؤها في الفصل، وكذا بعض الأساتذة إضافة إلى مبادرة قامت بها الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لمدها بحاسوب محمول وكرسي متحرك، في حين تنكر المسؤولون من منتخبين وبرلمانيي المدينة ومسؤولي الوزارة لواجبهم إزاءها علما أن حالات أبسط من ذلك تم استغلالها لتلميع صورتهم إعلاميا.
يقول الأب: «أطلب فقط مساعدة نهيلة حتى تتمكن من مواصلة حياتها وألا تحرم من حقها في إتمام دراستها وحسبي الله ونعم الوكيل».